«كيف تتعارض العمارة والفن في لوحات هيثم عجينة النابضة بالحياة؟»، عنوان مقالة للناقد البريطاني «وليام بكلي»، عن معرض المهندس المعماري العراقي «هيثم عجينة»، الذي أقيم في دبي. اسم المعرض «عمارة الوجود»، وفيه تتعارض العمارة والفن كتعارض معلقات الشعر العربي القديم، ومثلها يميط التعارض اللثام عن العاطفة. «فالأشكال المخططة بخطوط منحنية في لوحاته هي لحظات جياشة عاطفياً، رحلات، قرارات، علاقات، تحييها جميعاً الألوان النابضة». وفي لوحته «نحو الأبدية»، يتعارض اللونان الأحمر والأصفر، فيجيشان على امتداد ممر طويل، يظهر في نهايته العميقة شكل رجل وامرأة.
دَرَس «عجينة» العمارة، ومارسها في بريطانيا والعراق والكويت والإمارات، وحصيلة ممارسته عبر البلدان والفنون هي: «إذا كنت معمارياً فعليك أن تُفكر كيف سيستخدم الناس هذا المكان، ويخطو بذلك فن الرسم أبعد، حين يسأل: من هم هؤلاء الناس الذين سيستخدمونه؟».
تجيب على تلك التساؤلات، أحدث وقائع معمارية في العالم العربي، وفيما يلي مقتطفات من بعضها: قبة وزنها 550 طناً توّجَت «ساحة الوصل» في موقع معرض Dubai Expo 2020، حيث يعمل 800 مهندس في إقامة التعريشة الفولاذية للقبة، والتي شاركت بصنعها الأمم، فجهزت فولاذها هنغاريا وتشيكيا وبولندا، ورفعتها 18 رافعة هيدروليكية، وفق حسابات حركة الرياح وتغير المناخ، وصنعت التعريشةَ الفولاذيةَ للقبة شركات بلجيكية وألمانية وإسبانية، وصبّتها شركة إيطالية في جديلة شعرية، فيما أشرفت على الإدارة العامة للمشروع شركات أميركية وكندية وصينية وفرنسية ويابانية ومكسيكية.
وفي العاصمة الإدارية المصرية الجديدة، ستقام غابة عمودية من مكعبات عمارة خضراء، يتعاون في تصميمها مكتب «ستيفانو بويري» الإيطالي، مع مكتب «شيماء شلش» المصرية، وهدف المشروع مواجهة مشاكل تغير المناخ. وتضم العمارة التي تشبه جنائن بابل المعلقة فندقاً ومجموعة شقق، وهي جزء من خطة واسعة لإنشاء «القاهرة الخضراء»، حيث تترافق مع حملة إنشاء آلاف الشقق والسطوح الخضراء، هدفها صنع طوق أخضر في العاصمة المصرية، يبدأ العمل فيه خلال الأعوام الثلاثة القادمة.
والمباني ليست مجرد تماثيل جميلة، بل يمكن أن تحرك الناس، وتهبهم الأمل، كما في العاصمة الأردنية عمّان، حيث لا يستخدم الناس العمارة فحسب، بل يُعَمِرون لها مهرجان فنون، شعاره «احتمالات»، وهو بمثابة حركة معمارية جماهيرية، تعيد بها المخيلة المعمارية إحياء قرى وأحياءَ ومبانٍ وحدائق في رأس العين، وجبل عمان، وتقامُ معارض مخطوطات ومنسوجات وحرف يدوية، في «دارة الفنون» و«المتحف الوطني للفنون الجميلة» في جبل اللويبده. ولا حدود لاحتمالات التصميم التي تقيم معرض «غذاء المستقبل، مدينة المستقبل»، وفعالياته مفتوحة للعائلات، حسب القائمين على «احتمالات». فالتصميم ليس جوهرة يشذبها ويصقلها مهندس معماري، بل مغامرة مبدعة في خدمة الناس، قد تقيم بناية مسرح، أو صالة موسيقى، أو مستوصفاً ومستشفى. وفي كل هذا يكون الناس شركاء. وعادةً ما ينظر إلى التصميم على أنّه مرتبط بحل مشاكل العالم المعقّدة. لذلك، يقع على عاتق المصمّمين تحسين جميع جوانب حياتنا، وطرح التساؤل عن ماهية المستقبل، خاصّةً ما يتعلّق باللاجئين والمياه والغذاء في غمرة ضبابيّة المستقبل.
وجمال عمران العمارة العربية يعبر الحدود والجنسيات، ويجعل الفنان الهولندي «أريك روغ» يبدع تصميماً هندسياً مغربياً في بريطانيا، يُعدُّ أكبر مبنى إسلامي أقيم في أوروبا خلال ستة قرون الماضية. ذكرت ذلك الكاتبة المعمارية العراقية «ريما السامرائي»، في تقرير بالإنجليزية، مصور عن المبنى، الذي يحمل اسم «مركز زكريا التربوي». وقد أقيمت على امتداد واجهة المبنى، البالغ ارتفاعه نحو 4 أمتار، جدارية خزفية بالغة الجمال، مصنوعة من عشرات الآلاف من قطع الخزف، استوحى فيها الفنان عمل فناني المدينة المغربية «مكناس»، يشدّ الأبصار من مسافات مختلفة، على امتداد الشوارع التي يحتل المبنى مفترق طرقها.
*مستشار في العلوم والتكنولوجيا