تحتفل المملكة العربية السعودية هذه الأيام بذكرى قيامها قبل 89 عاماً، وهي فترة تخطت خلالها جميع الأحداث الكبيرة والمنعطفات الحادة والتحديات التاريخية الجسيمة والتضاريس الجيوسياسية الوعرة.. وبعزائم الكبار ورؤاهم البعيدة، تحولت إلى بلد يحقق أعلى مستويات التنمية ويحرز أهم النجاحات على كل الأصعدة.
وعلى الجانب الآخر كانت إيران على النقيض من ذلك، فقد استعرضت في فبراير الماضي أسلحتها وصواريخها، مسجلةً بذلك أهم إنجاز لنظام الملالي على حساب تنميتها وأقوات شعبها. فقد ارتكزت تجربتها خلال أربعين عاماً الماضية على حرمان شعبها من ثرواته النفطية لصالح تمويل المليشيات ولإشعال الحروب الخارجية، مباشرة أو بالوكالة، ولمواصلة التدخلات في شؤون الدول العربية.. لتفوز، أخيراً، بمرتبة «الدولة الأولى الراعية للإرهاب العالمي».
إن وجود بلد ينعم بالاستقرار والتطور والرفاه، وبرضا شعبه في الداخل وثقة شركائه في الخارج، هو أمر يغضب نظام إيران ويحرجه، لاسيما وهو يواجه شعبه الساخط عليه، شعبه الذي يتابع ما تحققه دول الخليج العربي من رفاهية لمجتمعاتها، وهو صورة حية معاكسة لما يعيشه تحت نير نظام الملالي، فيزداد سخط هذا الأخير على الدول الخليجية، فيمعن في معاداتها، وعلى رأسها السعودية بطبيعة الحال، لوقوفها ضد مشروعه الإرهابي المعادي لنموذج الدولة والنظام الدولي!
وقد سجلت إيران بضربها معملين نفطيين لشركة «أرامكو» (بقيق وخريص) عملاً آخر من أعمال الإرهاب، وبرهنت مجدداً على أنها ساعية للحرب وتريدها. وقد قال عادل الجبير، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، إن الهجوم الإيراني «لم يستهدف المملكة فحسب وإنما استهدف العالم بأجمعه».
وبينما حاول الزعماء الإيرانيون التبرؤ من هذا العمل التخريبي، والذي تسبب في تعطيل جزء من إمدادات النفط العالمي، زاعمين أن وكلاءهم الحوثيين في اليمن هم مَن نفّذه، فمن الواضح للجميع أن جماعة الحوثيين يستحيل أن تقوم بعمل كهذا.
وسواء أكان هدف إيران من العملية التخريبية في بقيق وخريص هو محاولة ترهيب السعودية والتشويش على تجربتها التنموية الرائدة، أو السعي لفتح حوار دبلوماسي مع الرئيس ترامب، فإن كثيراً من المراقبين خلصوا إلى أن هذه العملية أفادت السعودية، أكثر مما كانت ستحققه عبر إسقاطها الصواريخ والطائرات الإيرانية المسيَّرة المهاجِمة لتسجل الواقعة على إيران التي أحيت مؤخراً سجلها القديم في اعتراض البواخر واختطافها داخل مياه الخليج العربي. ونعلم أن القرصنة البحرية الإيرانية أدت إلى تشكّل تحالف دولي لضمان حرية الملاحة البحرية في الخليج العربي. ورداً على هذا المتغير الجديد قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن وجود قوات أجنبية في الخليج يفاقم «غياب الأمن»، وذلك بعد الإعلان عن إرسال تعزيزات عسكرية أميركية إلى المنطقة، متناسياً أن من يأتي بالقوات الأجنبية هي إيران وليس دول الخليج العربية، وأن السلوك الإيراني سبب، ووجود القوات الأجنبية نتيجة.
نعم، لقد كانت الضربة الإيرانية لصالح السعودية، وهو ما يتجلى في إدانة المجتمع الدولي لسلوك إيران وفي تعاطفه الواسع مع السعودية، والتي استطاعت في فترة وجيزة إعادة موقعي «أرامكو» البتروليين للعمل، حفاظاً على إمداد سوق النفط العالمي، وبذلك فوتت على إيران فرصة استغلال ارتفاع أسعار النفط لممارسة مزيد من التهريب عبر السوق السوداء أو «السوق الرمادية».
وظلت السعودية محتفظة بحق الرد، وبعدم إعطاء إيران فرصة لبدء الحرب التي تسعى لها بهستيرية. فأرقى أساليب الحرب «أن تقهر عدوك دون قتال»، كما قال المفكر الاستراتيجي الصيني «صون تزو».