وصفت المملكة العربية السعودية ما تعرّضت له المنشآت النفطية بأن «اعتداء جبان»، وقال وزير الخارجية الأميركي إنه «عملٌ حربي خطير». والتوصيفان صائبان ودقيقان. فليست هناك مواجهة حربية قائمة ليكون قصف المعملين في بقيق وخريص في سياقها، لذا فهو عدوان مبيّت ومخطّط يعكس عقلية والغة في الشرّ، وهو جبان لأن الجهة التي ارتكبته، أي إيران، تتوارى خلف عصابات مسلّحة اصطنعتها ولا تجرؤ على المسّ بالطرف الأساسي، أي الولايات المتحدة، بل تخاطبه بمثل هذه العمليات كلّما انتابها الألم من العقوبات التي فرضها عليها بل استدرجتها لنفسها. كما أنه بلغة المجتمع الدولي عمل حربي خطير، ليس فقط لأن دولة خرقت سيادة دولة أخرى مجاورة بل لأن إيران برهنت بذلك أن ما أكّدته سابقاً بأنها لا تريد الحرب لم يكن سوى كلام، فهي تسعى إلى الحرب وتريدها.
يصادف اليوم الوطني السعودي التاسع والثمانون والمملكة في عين العاصفة وفي قلب الأحداث، بل محطّ أنظار العالم الذي وجد نفسه أمام محكٍّ يمتحن مصداقيته، ليس في الدفاع عن المملكة وقد أكّد الملك سلمان بن عبد العزيز ووليّ عهده الأمير محمد بن سلمان أنها قادرة على حماية نفسها، بل في صد اعتداء على الاقتصاد والاستقرار العالميين. سبق للسعودية أن مرّت بصعوبات ومحن وتجاوزتها، وحتى لو بدت الأزمة الراهنة شديدة وصعبة فإنها لن تقوى على هزّ أمنها واقتصادها، وستخرج منها أكثر قوةً واستقراراً. فما لم تفهمه إيران، ودول أخرى تجاملها في مروقها وعدوانيتها، أن السعودية لم تسعَ سابقاً إلى عسكرة نفسها لأنها لم تكن تخطط لغزوٍ أو لـ «تصدير» فتنة أو «ثورة»، لكنها سعت دائماً إلى تحصين نفسها ضدّ أي تدخّلات تستهدف سلمها الأهلي ووئامها الاجتماعي.
لم تحتج السعودية في تاريخها الحديث إلى جهد استثنائي كي توكّد مكانتها كمرجعية إسلامية وعربية، ومن ثمّ كمرجعية دولية في مجالَي الطاقة والسلم الإقليمي. وما كان لهذا الموقع أن يتوطّد لها لولا السياسات الواثقة التي اتّبعتها قيادتها والعلاقات الثابتة التي نسجتها مع مختلف هذه العوالم. فرغم تعدّد الاجتهادات والأعراق، بعيدة وقريبة، لم يكن ليخطر في الأذهان وجود مرجعية دينية سواها. وحينما تبلورت صورة أكثر وضوحاً للعالم العربي كانت السعودية ولا تزال مرجعية مهمة إلى أن أصبحت الأهم. ومع تعاظم الدور المحوري للنفط في الاقتصاد العالمي وجدت السعودية نفسها في موقع مرجعية دولية وباتت مع المجتمع الدولي في إطار مسؤولية مشتركة... كل ذلك تريد إيران نقضه وتغييره في سعيها إلى «زعامة» تعتقد أنها ستنالها، سواء باستعادة عقلية الغزوات البالية التي شهدها تاريخ الإسلام، ولم تعد تعني المسلمين في تديّنهم، أو بالتعامي عن حقائق الواقع والعصر. تلك إشكالات لم تحلّها الحروب ولن تحلّها إلا الحكمة.
كان واضحاً أن العمل الحربي ضد منشآت النفط لا يمكن تمريره والسكوت عنه، وهذا ما تأكد دولياً بعد اتصالات ومشاورات. وقد فشلت سريعاً محاولة إيران تصويره كعمل آخر في يوميات حرب اليمن.
السعودية توقّعت دائماً من المجتمع الدولي أن يسائل إيران عن تخريبها في الأمن الإقليمي من سوريا إلى العراق واليمن ولبنان وغزّة، وأن يحمّلها المسؤولية في تفكيك الدول والجيوش الوطنية وفي خلق الظروف والبيئات لاستشراء الإرهاب. وها هو التعرّض للإنتاج النفطي السعودي يرمي إلى تخريب استقرار الدولة والمجتمع السعوديين، ما ينسحب أيضاً على دول الخليج كافة نظراً إلى الترابط في ما بينها. صحيح أنها محاولة يائسة ومكتوب لها الفشل لكن العواقب ستكون أسوأ بكثير، إقليمياً ودولياً، إذا ما تُركت إيران من دون محاسبة. لذلك يبدو التعرّض للسعودية وقد وضع العالم، وليس أميركا وحدها، أمام اختبار لمصداقيته.