تكتسي موضوعات تزييف البضائع والسلع التجارية في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما في العديد من دول العالم، أهمية قصوى لما لها من أبعاد سلبية تطال قطاعات صناعية مهمة، بل تطال دولاً ومجتمعات بأكملها. والتزييف يشمل طيفاً واسعاً من قضايا التقليد والتزوير، بحيث أصبح اليوم كل شيء تقريباً، من الساعات الفاخرة والملابس إلى الهواتف المحمولة وقطع غيار السيارات، ضحية لهذه الممارسات غير القانونية، وبات التزييف يشكل بالفعل وباءً له تبعات أمنية واجتماعية خطيرة تسهم في تمويل الجريمة المنظمة، واستمرارية مشكلة العمالة الصغيرة وغير الشرعية، وتسبّب إرباكاً وفقداناً لثقة المستهلك، وتؤدي حتى إلى أخطار مباشرة على السلامة لعدم استيفاء المواد المزيفة معاييرَ الجودة والرقابة الصحية في كثير من الأحيان.
وقد تبدو فكرة السلع المزيفة وتهديدها للصحة أمراً مستبعداً، لكن علينا فقط أن ننظر إلى عدد الوفيات سنوياً جرّاء الأدوية المزيفة، والبالغ نحو مليون وفاة في جميع أنحاء العالم، لندرك خطورة المسألة وأهمية مناقشة أبعادها. هذه القضايا تؤثّر اقتصادياً في الشركات من حيث خسارة إيرادات مالية متوقعة وتعريض ملكياتها الفكرية لتهديدات تطال الجهود والأبحاث والاستثمارات التي بذلت في شأنها، وقد تمتد لتسهم في فقدان للوظائف وإبطاء للأعمال التجارية وحتى خروج بعضها من أسواق دول معينة بشكل نهائي.
ومع أن بعض الدول تبقى معرَّضةً أكثر من غيرها لتأثيرات التزييف، وخصوصاً تلك التي تتمتع باقتصادات قويّة وقوة شرائية عالية، كدولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، فإن المشكلة تطال أغلب الدول بسبب زيادة حركة الشراء العالمية عبر منصات التجارة الإلكترونية التي تمر من خلالها كثير من المنتجات المزيفة، وضخامة عمليات التزييف في الدول التي تضعف فيها قوانين الملكية الفكرية وينشط فيها اقتصاد قائم بذاته على تلك الممارسات، وتطوّر الأساليب والأدوات التي يستخدمها المزوّرون لإخفاء أصول بضائعهم عبر تصديرها من بلدان مجاورة، وتسويقها وعرضها عبر منصات التواصل الاجتماعي، في ظل غياب رقابة حكومية مباشرة على هذه المنصات. وأخيراً فإن قلّة أو عدم فعالية التشريعات المشتركة والاتفاقيات الدولية التي تجعل من إيقاف البضائع المزيفة، أو التحكم في عرضها وبيعها بين دولة وأخرى، أصبحا تحدياً صعباً.
وبالفعل، فإن إجمالي التزييف العالمي سيصل إلى رقم مهول يبلغ 1.82 تريليون دولار أميركي بحلول عام 2020، منها أكثر من 509 مليارات دولار ستذهب للعلامات التجارية المزيفة عبر الإنترنت، وهي نسبة تزيد على 3.3% سنوياً من إجمالي التجارة الإلكترونية العالمية المتوقعة لتلك السنة.
ولذلك تعتبر مكافحة التزييف من أولويات الدول المتقدمة، ومن بينها دولة الإمارات التي تراعي شؤون أفرادها بضمان حصولهم على المنتج الأصلي. واحترام العلامات التجارية في أي دولة يشجّع على ازدهار أعمال القطاعات الخاصة فيها وعلى استقطاب الاستثمارات الخارجية إليها. ولهذا، تبذل الحكومات والمصنّعون جهوداً حثيثة لمحاربة التزييف. ومن هذه الجهود، توظيف أحدث الابتكارات التكنولوجية ضمن الحلول الرامية إلى مكافحته، والتي قد يكون من أهمها على الإطلاق، في المستقبل القريب، الذكاء الاصطناعي وأنظمته المختلفة. لكن يجب أن ترافق كل هذه الجهود، حملات رسميّة لنشر الوعي المجتمعي من خلال التركيز على البعد الأخلاقي لثقافة مكافحة التزييف عبر تأكيد الدور السلبي للتزييف إزاء الاقتصاد الوطني بشكل عام، وحثّ الأفراد على عدم شراء البضائع المقلدة، بحثاً عن البديل الرخيص وتذكيرهم بخطورتها على صحتهم وسلامتهم وأخيراً عدم تقليل شأن تجربة الوقوع ضحية لشراء سلعة مزورة بضرورة المسارعة إلى تبليغ الجهات الأمنية عنها.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.