في خضم حروب تجارية وتراجع مبيعات السيارات في الصين، انخفض إنتاج السيارات من خطوط الإنتاج الألمانية بمعدل 12 في المئة خلال العام الجاري، وهبطت الصادرات بنسبة 14 في المئة. وسجلت مبيعات السيارات الأوروبية انخفاضاً خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2019. ومع استمرار ضعف توقعات الطلب للعامين المقبلين، لا تستبعد شركة توريد قطع غيار السيارات الألمانية «كونتيننتال إيه جي» خفض ساعات العمل وتقليص الوظائف.
لذا، فالوقت غير ملائم تماماً لأزمة علاقات عامة، هذا هو ما يحدث في دولة ابتكرت محرك الاحتراق الداخلي. فمعرض سيارات فرانكفورت الذي عقد الشهر الجاري كان الهدف منه تعزيز قطاع السيارات الألماني بمنحه منصة لطرح خططه باهظة التكلفة لتصنيع مزيد من السيارات الكهربائية.
لكن بدلاً من ذلك، عزف صناع السيارات الدوليون عن المعرض، توفيراً للمال، وأقر الرئيس السابق لشركة «أوبل» «كارل توماس نيومان»، بأن الحدث كان «إخفاقاً كبيراً». وما زاد المأساة، خطف المتظاهرون من أجل المناخ الأضواء من شركات مثل «بي إم دبليو» و«فولكس فاجن»، واتهموا قطاع السيارات بعدم فعل ما يلزم لإنهاء إدمانها على محركات تعمل بالبنزين والديزل.
وكانت البداية سيئة بالفعل، ففي عشية المعرض، صدمت سيارة رياضية 4 مشاة في برلين وقتلتهم، وهو ما أثار جدلاً محتدماً بشأن «السيارات الرياضية الفارهة». وعنونت مجلة دير شبيجل الصفحة الأولى من عددها الأسبوعي بعبارة: «هدف جديد للكراهية» تحت صورة كبيرة لسيارة بورش رياضية.
وفي هذه الأثناء، فإن منظمة «في دي إيه» التي تدافع عادة عن شركات السيارات العملاقة، كانت مشغولة باستقالة رئيسها «بيرهارد ماتس» المفاجئة. وعزز ذلك التكهنات بأن القطاع مستاء بشأن خسارة نفوذه السياسي واستمرار حالة الركود.
ويوفر قطاع السيارات أكثر من 800 ألف وظيفة في ألمانيا، ومسؤول عن شريحة كبيرة من إنتاجها الصناعي وصادراتها. وحاربت الحكومات السابقة بقوة لحماية درة تاج الصناعة الألمانية من اللوائح التنظيمية المعرقلة. لكن الوضع لم يعد كذلك.
ففي البداية، جعلت فضيحة عوادم السيارات في شركة «فولكس فاجن» من غير الحكمة بالنسبة للسياسيين أن يتساهلوا مع الشركات التي تقدم الأرباح على صحة الشعب. وثانياً: أصبح الألمان متحفزين بشأن التغير المناخي، ودور قطاع السيارات فيه. ومتوسط معدل انبعاثات السيارات الجديدة المباعة قفزت للعام الثاني على التوالي في 2018، بسبب ارتفاع مبيعات السيارات الرياضية الفارهة. ولهذا السبب تتجه ألمانيا إلى عدم الوفاء بأهداف خفضها معدلات التلوث بالكربون في عام 2020.
وقفز متوسط أعمار مشتري السيارات الجديدة في ألمانيا إلى 53 عاماً، ما يشير إلى أن القطاع ربما يتجه إلى مستقبل صعب. غير أن مزاعم أن الألمان توقفوا عن ولعهم بالسيارات هو أمر مبالغ فيه. فهم رغم ذلك اشتروا 3.4 مليون سيارة جديدة العام الماضي، و95 في المئة من هذه السيارات بها محرك يعمل بالبنزين، وأكثر من ربعها سيارات رياضية فارهة. وعلاوة على ذلك، ليست لدى الحكومة أية رغبة في قتل ما يمكن وصفه بـ «أوزتها الذهبية».
وفي خضم هذا التناقض بين القلق الشعبي إزاء التغير المناخي، وولع الألمان بالسيارات الكبيرة، ليس من المفاجئ أن الحكومة وصنّاع السيارات يكافحون من أجل إسعاد الجميع.. فركوب الدراجات وتقاسم السيارات أصبحا من البدائل الأساسية في مدن مثل برلين، لكن على رغم من ذلك، بالنسبة لمن يشعرون بالرغبة في امتلاك سيارة، تبدو السيارات الكهربائية باهظة الثمن، ونطاق قيادتها محدودا (في الوقت الراهن على الأقل).
*كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس"