بإقالة جون «بولتون» من منصب مستشار الأمن القومي الأميركي في الآونة الأخيرة اختفى أعلى المتشددين صوتاً من الدائرة الداخلية للرئيس دونالد ترامب. ويكافح ترامب طوال فترة رئاسته كي يضع نهجاً غير تقليدي للتعامل مع الأزمات العالمية، بما في ذلك تحركاته للاجتماع مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون ومحاولات تقاربه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكن رحيل بولتون الذي أدخل النزوع إلى التدخل عالميا في قائمة أولويات ترامب التي يطلق عليها «أميركا أولاً»، ربما يكون بشيراً بتحول في النهج الأميركي تجاه طائفة من القضايا العالمية الساخنة ومنها:- أفغانستان: أقام ترامب حملته الانتخابية على وعد بإنهاء حروب أميركا الأبدية. وأطول هذه الحروب أمدا دارت رحاها في أفغانستان التي مازالت الولايات المتحدة تحتفظ فيها بقوات منذ 18 عاماً. وتخلصت الإطاحة ببولتون من عقبة واضحة أمام تنفيذ هذا الوعد. وإقالته جاءت بعد أيام من خلاف نشب بين الرجلين بشأن خطط ترامب- تخلى هنا لاحقاً- لدعوة زعماء طالبان إلى كامب ديفيد قبل الذكرى السنوية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية. ومغادرة بولتون قد تكون أخباراً سيئة للرئيس الأفغاني أشرف عبد الغني الذي لم يشارك مباشرة في عملية التواصل مع «طالبان»، ويريد أن يضمن أن تحمي أي صفقة جديدة الحكومة المدنية التي تأسست بعد الغزو الأميركي.
- إيران: حظيت الأنباء عن إقالة بولتون بترحيب غير رسمي في إيران، ووُضعت في إطار أنها تثبت صحة سياسات الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف. وكان ظريف يرى أن بولتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحاولان جر الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية مع إيران. وربما تتابع طهران اليوم قنوات الاتصال مع ترامب الذي ناقش تخفيف العقوبات لإغراء زعماء إيران بالجلوس إلى طاولة التفاوض.
- إسرائيل: الإسرائيليون قلقون، وغياب بولتون، أفقدهم أقوى نصير لفكرة تصدي الولايات المتحدة لإيران. وإسرائيل تقاتل وكلاء إيران على حدودها الشمالية ونتنياهو أعلن شخصياً أن له دوراً في دفع ترامب لإلغاء الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما مع إيران. وعبر مسؤولون إسرائيليون سراً عن فزعهم من احتمال أن يكون هناك صفقة جديدة يجري الإعداد لها.
- كوريا الشمالية: إقالة بولتون ربما تنعش احتمالات التوصل إلى صفقة من نوع ما بين ترامب وكيم جونج أون. فلطالما كان بولتون واحداً من أكبر المتشككين في بيونجيانج. ووسائل الإعلام الكورية الشمالية التي تتحكم فيها الدولة كانت تخصه بالانتقاد بشكل منتظم.
- روسيا: ربما شعر الكرملين بالارتياح من إقالة بولتون المتشكك منذ فترة طويلة في إمكانية التوصل إلى صفقات مع فلاديمير بوتين والمنتقد لاتفاقات التحكم في الأسلحة التي دعمتها موسكو. لكن أي بهجة شعرت بها موسكو، ربما عكرتها المخاوف من أن التقارب الذي يتزعمه ترامب قد يتم التخلي عنه من جديد بسبب معارضة الكونجرس.
- سوريا: حين أعلن ترامب فجأه أنه سيسحب القوات الأميركية بالكامل من سوريا، ساهم بولتون في حملة ضد هذه الخطة. وانتهى الحال بالولايات المتحدة إلى إبقاء قوات في قاعدة يؤهلها موقعها الاستراتيجي من مراقبة النشاط الإيراني في سوريا. وعارض بولتون علناً الرئيس في تعهداته بحماية الأكراد الذين كانوا أداة فاعلة في القتال ضد داعش، لكن ترامب ظل متمسكاً برغبته في الخروج.
- فنزويلا: ساعد فشل المساعي الأميركية حتى الآن في إطاحة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في تقويض مكانة بولتون لدى ترامب.
وصرح دبلوماسي برازيلي مطلع أنه بعد رحيل بولتون تجري عملية إعادة صياغة للسياسة الأميركية تجاه كاراكاس، بما في ذلك دعم ترامب لزعيم المعارضة خوان جوايدو. وأكد إليوت أبرامز المبعوث الأميركي الخاص لفنزويلا في الأيام القليلة الماضية أن رحيل بولتون لن يؤثر على سياسة واشنطن حيث يحظى زعيم المعارضة خوان جوايدو «بتأييد الحزبين حقاً»، لكن ترامب أوضح أيضاً أنه لم تعجبه كل النصائح التي تلقاها من بولتون بشأن فنزويلا.
بنيامين هارفي
مدير تحرير بلومبيرج للاقتصاد والحوكمة في روسيا والشرق الأوسط وأفريقيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»