في المجتمع الأبوي أو الذكوري تمضي المرأة العربية حائرة بين مسارات صعبة متضاربة، فهي إنْ رضيت بدورها التقليدي، لا يعترف بها منطق المجتمع الصناعي الحديث الذي لا يرى عملاً سوى ذلك الذي يؤجر المرء عليه، وإنْ دافعت عن حقها وأرادت شق طريق تليق بها، خرجت لها الرؤى الدينية الجامدة لتصدها وتردها إلى الغرف المغلقة المصمتة، وإنْ أرادت أن تمد خيط نضالها إلى مداه، أضنتها الرؤى النسوية المتطرفة التي تضر بها إلى حد بعيد.
فوق هذه المسارات يمشي كتاب الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي الأخير الصادر بعنوان «المرأة والتنمية»، الذي يبدو مؤلفه من سطره الأول منحازاً لمطالب النساء العادلة، ومؤمناً بأن دورهن في الحياة عظيم، متكئاً في هذا على تجربته مع والدته، التي تعلم منها كيف تلعب المرأة دوراً مهماً بوصفها نصف المجتمع، وشقيقة الرجل، بل هي أصل الحياة، ولهذا يهديها الكتاب قائلاً: «إلى والدتي، رحمها الله، التي علمتني فضل المرأة على الرجل».
سرعان ما يظهر لنا سبب آخر لتأليف الكتاب، غير رد الجميل للوالدة، وهو سبب عملي، يتمثل في تعزيز دور المرأة في التنمية لاسيما بدول قليلة السكان، هي بحاجة ماسة إلى تأهيل وتعبئة مواردها البشرية لخدمة لمساعيها إلى تحسين شروط الحياة لشعوبها.
لكن هل السبيل إلى تحقيق هذا الهدف ميسر في كل الأحوال؟ يجيبنا المؤلف في الفصل الأول شارحاً العوائق التي تحول دون هذا، ومنها النظرة الدينية الرجعية، التي يطرحها وعاظ متكلسون، وجماعات متشددة، ونظم التعليم التي لا تزال تتعثر في تقديم رؤية أكثر انفتاحا تهيئ العقول والنفوس لتقبل ممارسة النساء لأدوار عريضة في مجتمعاتنا، والخلفيات الثقافية التي تعشش في العقل الجمعي، وتدفع في اتجاه أن تكون المرأة دائماً تابعة خاضعة هاجعة، وأن تفقد استقلالها، وهنا يقول: «في الثقافة العربية يُشجع الذكور على أن يكونوا أقوياء وشجعاناً، وألا يظهروا الحزن، أو يستسلموا للدموع. أما النساء فيُتوقع منهن أن يبكين، وأن يكن مطيعات».
لا يعني هذا انسياق الكاتب وراء النزعات النسوية التي تتجاوز مطالبة النساء بالاعتراف بحقوقهن إلى تحويل علاقتهن بالرجال من تكامل إلى صراع، والزعم بأن بإمكان المرأة الاستغناء التام عن الرجل، بل وإضعاف دوره الاجتماعي باعتباره عدواً، بل إن المؤلف كخبير استراتيجي يعيش في مجتمع محافظ يدين بالإسلام ويعرف قيمة الأعراف والتقاليد، أراد الانتصار لرؤية معتدلة، ترى ما بين النساء والرجال يجب أن يكون عناقاً لا فراقاً، واقتراباً لا ابتعاداً، ووصالاً لا انفصالاً، وتؤمن بحيوية كل دور وأهميته، وعدم أفضيلة هذا عن ذاك، فـ «هي» خُلقت لتلعب دور «هي»، و«هو» خلق للعب دور «هو»، وليس لأحدهما أن يتيه على الآخر، أو يصارعه في عمى، إنما يقترب منه، ويساعده على الإسهام الخلاق في تحسين شروط الحياة.
لهذا خصص الكاتب الفصلين الأخيرين لشرح تأثير الدين والعادات والتقاليد على المرأة الخليجية، وكذلك ما ترتبه منظومة التعليم، وسوق العمل، من أعباء على المرأة، ثم عرج على موقعها في تصور المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وممارساته الحياتية، باعتبار ما تركه من إرث لا يزال يشكل منظومة قيمية لافتة ومؤثرة لنظرة شعبه إلى النساء.
إن الكتاب يعدد عطايا المرأة التي دخلت إلى دنيا معاصرة تطالبها بأداء أدوار جديدة، دون أن تنسى دورها التقليدي القائم منذ أول الخليقة وهو العناية بمنزلها وإدارته، وتربية أولادها ورعايتهم، ثم يطرح وصايا تنهل من الدين والأخلاق وتجارب الأمم والأعراف والتقاليد ونظم التربية والتعليم الحديثة، من شأنها أن تنهض بأوضاع المرأة في مجتمعاتنا.
إن كثيراً من النساء قد كتبن وتحدثن دفاعاً عن قضيتهن، لكن الدفاع يكون أكثر تأثيراً حين يأتي من الرجال، وهي مسألة مسكوت عنها في سطور الكتاب، لكنها ظاهرة عياناً بياناً، لكل رجل يدرك مكانة المرأة في حياتنا، ويمتلك من المروءة ما يجعله يعمل دوماً على الانتصار للضعيف، وإغاثة اللهفان، وإجارة المستجير والمَضِيمٌ.