تولي دولة الإمارات العربية المتحدة أهمية كبيرة للابتكار، حيث يمثل عنصراً محورياً، بل مرتكزاً أساسياً في مسيرة التطور التي تشهدها الدولة، فمن دون الابتكار لا يمكن تحقيق طموحات بحجم طموحات دولة الإمارات، التي لا تسعى إلى أن تكون رائدة في مختلف المجالات أو القطاعات، أو أن تتبوأ الصدارة في مختلف المؤشرات الإقليمية والدولية فقط، ولكن أن تكون نموذجاً يُحتَذى به ومصدر إلهام للدول والشعوب الأخرى التي تسعى إلى التطوُّر والنهوض. وقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، خلال رئاسة سموه جلسة عصف ذهني مع فريق عمله أول من أمس، أن الفترة المقبلة تحتاج إلى أفكار استثنائية وطاقات ودماء جديدة في العمل الحكومي.
ولا شك أن الابتكار ليس مسألة سهلة، وهو عملية منظَّمة ومستمرة، وتحتاج بالطبع إلى أصحاب قدرات مميزة ومهارات خاصة، وهذا لا يأتي إلا من خلال الاجتهاد على النفس، والعمل بكل جدّ ووفقاً للأصول العلمية الصحيحة والتفكير السليم الذي يقود بالضرورة إلى الابتكار، وحتى في كثير من الأحيان إلى الإبداع والاختراع.
ومن المهم التأكيد أن الابتكار ليس مجرد شعار يُرفَع، سواء على مستوى الفرد، أو المؤسسة، أو مستوى آخر، وإنما هو عملية تجريبية لا يمكن أن يكون لها انعكاسات حقيقية ما لم ترتبط بالواقع وتعالج مشكلاته. وبالنظر إلى واقع المؤسسات في الدولة، فلا شكَّ أن الابتكار يحظى باهتمام كبير ودعم متواصل من القيادة الرشيدة. وما التقدُّم الذي تحقق في العديد من المجالات إلا ثمرة من ثمار الابتكار، ولكن لا شك أيضاً أن هناك الكثير من العمل المطلوب من أجل تحقيق الأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها بالابتكار، فالمعروف أننا نعيش في عالم متغير يشهد تسارعاً هائلاً وتنافساً غير مسبوق، وتتطلَّب مواكبة ذلك كله ابتكاراً حقيقياً، وأفكاراً جديدةً. وقد يقول قائل إن هناك الكثير من الأفكار التي تطرح، سواء في الندوات المتخصصة، أو ورش العمل، أو المحاضرات، أو أجندات المؤسسات العامة والخاصة...إلخ، ولكن قد لا يكون الكثير منها واقعياً، أو لا ينسجم وطبيعة التطورات الحالية، أو ربما يصعب، أو حتى يستحيل تحقيقه، ولاسيما في ظل الظروف القائمة، ومن ثم فهناك حاجة إلى أفكار إبداعية عملية وواقعية، أي أفكار يشعر الناس بتأثيراتها الإيجابية فيهم، وهذا يحتاج بالإضافة إلى الخبرة إلى دماء جديدة، سواء من خلال توظيف ذوي كفاءات متمكّنين، أو حتى تغيير ذوي الكفاءات الذين لا يستجيبون لمتطلبات المرحلة، أو ثبت أنهم غير قادرين على تحقيق الابتكار وفقاً لرؤية القيادة الرشيدة، وهو ابتكار يجب أن تُرَى انعكاساته على حياة الناس، وعلى أرض الواقع، وفي الوقت نفسه يرتقي بالدولة، ويسهم في تحقيق رؤى القيادة في أن تكون الإمارات، ليست في مصافّ الدول المتقدمة بحلول عام 2021 فقط، ولكن أن تصبح الأفضل في المجالات كافة بحلول الذكرى المئوية لقيام الاتحاد. وهذا لا شك هدف طموح، وطموح جداً، ولكن تحقيقه ليس مستحيلاً، خاصة في دولة لا تعرف قيادتها المستحيل، وإنما تؤمن بأن كل شيء ممكن ما دامت الظروف المناسبة لذلك مهيَّأة، ونحن نرى، والعالم من حولنا يشهد، أن لدى الإمارات قدرات وإمكانيات هائلة، وقيادة قادرة على توظيف هذه الإمكانيات على أحسن وجه، وليس أدل على ذلك من مستوى التقدم الذي وصلت إليه الإمارات، حيث ينظر العالم إلى إنجازاتها، ويترقَّب منها المزيد، كما يحرص على الاستفادة من تجربتها، خاصة أن ما حققته الدولة من تطور غير مسبوق، وفي وقت قياسي، مقارنة مع دول عمرها قرون، يُعَدُّ بمقاييس التطور معجزة تنموية بامتياز، ولا شك في أن أحد العوامل التي مكَّنت من ذلك هو الابتكار.
عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية