رغم أنه كان متوقعاً للشراكة الاقتصادية بين دول الخليج العربي المنضوية تحت مظلة مجلس التعاون أن تكون أكثر سلاسة وسهولة، إلا أن مجريات الأحداث الإقليمية والعالمية التي انصرمت حتى الآن يبدو أنها قد أثرت بشكل ملحوظ على مسارات هذا التعاون المهم بين دول المجلس، ما جعل المسألة تحتاج إلى مزيد من الجهد والمثابرة، خاصة الجوانب التي تطال المواطن الخليجي على صعيد الشراكة الاقتصادية.
وبغض النظر عن ذلك، فإن الأمر يبدو وكأن دول المجلس الآن على عتبات أن يأخذ الجانب الاقتصادي من الشراكة الاستراتيجية الشاملة في ما بينها حيزاً أكبر في العمل المشترك.
الشراكة الاستراتيجية الاقتصادية الخليجية تقوم على مبادئ أساسية ثلاثة، هي: إقامة روابط اقتصادية بين أعضاء مجلس التعاون على المستويين الثنائي والجماعي، وبناء مرجعيات وطنية وإقليمية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، وأخيراً، رسم سياسات وتقديم مبادرات اقتصادية تقود إلى بناء علاقات سلمية وتعاونية مع جميع دول المنطقة والدول الصديقة على النطاق العالمي.
لذلك، فإن القفزات الاقتصادية المشهودة التي حققتها دول المجلس في السنوات الماضية منذ قيام مجلس التعاون هي نتيجة وثمرة لتعاونها وتعاضدها الاستراتيجي الشامل، وشعورها النسبي بالأمان نتيجة للعمل الجماعي المشترك على صعيد الدول والذي يتم على المستويات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية، وبوجود مظلة أمنية تحالفية عالمية تحفظ للمنطقة سلامها وأمنها.
ويبدو أن دول المجلس ستستمر في التكيف مع المسارات البطيئة للنمو والتنمية القائمة حالياً، وعلى مدى السنوات القليلة القادمة، ومع مسارات التباطؤ والانكماش في الاقتصاد العالمي.
لذلك يجدر التنبيه إلى أن تباطؤ النمو الحاصل في المنطقة ليس شأناً محلياً صرفاً، بل هو شأن يتساير مع ما هو حادث في معظم دول العالم بما في ذلك دول العالم الصناعية الكبرى والمتوسطة والصغيرة في كافة مشارق الأرض ومغاربها، بدءاً بأميركا الشمالية، مروراً بأوروبا الغربية واليابان، وانتهاءً بالنمور الآسيوية ودول أميركا الجنوبية.
وعليه، فإن ما يحدث في دول المجلس لا يجب النظر إليه على أساس أنه ظاهرة دورية، بل عوض عن ذلك هو مخرج لتفسيرات خارجية ويبرز مع ظهور أية توترات أمنية على مستوى الخليج العربي، إما تتسبب فيها إيران منذ عام 1979، أو كما كان يفعل النظام العراقي السابق، أو نظراً لما تمارسه قطر من أعمال مشينة كزعزعة استقرار العديد من الدول أو دعم الإرهاب في سياق مناظيرها المقيتة لما يسمى بالفوضى الخلاقة.
وغالباً ما يساهم في تباطؤ النمو والتنمية عوامل من قبيل انخفاض معدلات الطلب على النفط الخام أو نشوب الحروب أو التقلبات الاقتصادية في دولة ما، كانهيار أسواق الأسهم في البورصة المحلية أو في أسواق العقار، فمثل هذه التقلبات تقع في صلب تراجع النشاطات الاقتصادية في هذه الدول ورغم وجود مظاهر سلبية مرتبطة بعوامل خارجية، إلا أن سعي دول المجلس إلى العمل المشترك من خلال مظلة المجلس أدى إلى أن تستمر المنطقة في كونها الأكثر توفيراً للفرص الاقتصادية والتجارية وفرص العمل كمنطقة واحدة تقع في نطاق العالم النامي، فنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو بين الأعلى في العالم.
دول المجلس لا تزال من بين أكثر دول العالم استقراراً وأمناً رغم جميع ما مر به الخليج العربي من إرهاصات. وأخذاً في الاعتبار حجم كميات الاحتياطيات النفطية لدى كل دولة، وخطط التنمية المتواجدة، فإن تباطؤ النمو والتنمية في بعض الفترات أدى إلى الرغبة في المزيد من التعاون الاقتصادي الاستراتيجي، وإلى إفساح الطريق أمام المزيد من الوسائل الجديدة والمستحدثة من النمو والتنمية والتي تتصف بالمزيد من المسارات الواقعية مقارنة بما شهدته العقود الماضية التي سبقت ولوج الألفية الثالثة، خاصة بما يتعلق بتنويع مصادر الدخل وتدشين المشاريع التنموية الكبرى والاعتماد على الاقتصاد الخدمي وتشجيع السياحة وتوسعة مشاريع البنية التحتية من شوارع وطرق مواصلات أخرى وموانئ ومطارات وخدمات فندقية.
*كاتب إماراتي