في دراسة مقارنة قام بها علماء جامعة «إيست آنجليا» ببريطانيا، ونشرت في عدد شهر أغسطس من إحدى الدوريات الطبية المرموقة (BMJ)، قام الباحثون بمراجعة ومقارنة نتائج 80 دراسة سابقة، ليخلصوا إلى نتيجة مهمة، مفادها أن مرضى السكري من النوع الثاني، لا يجب أن ينصحوا بتناول كبسولات زيت السمك، المحتوية على الحمض الدهني «أوميجا-3»، كونها لا تحقق لهم أي فائدة تذكر، وأن كانت في الوقت نفسه لا تتسبب في ضرر كما كان يخشى البعض. مما يجعل هذه الكبسولات المنتشرة في الصيدليات على نطاق واسع، وفي العديد من سلاسل السوبر ماركت الكبرى، ومحال الأغذية الصحية، مجرد مضيعة وإهدار للمال لهؤلاء المرضى، بسبب تكلفتها وثمنها المرتفع. وهو ما أيدته إحدى كبرى المنظمات البريطانية الخيرية العاملة في مجال الوقاية من وعلاج مرضى السكري (Diabetes UK)، والتي علقت على نتيجة هذه الدراسة بأنه رغم ما تشكله أحماض «أوميجا-3» الدهنية من أهمية فائقة للصحة العامة، فأنه من الأفضل لمرضى السكري الحصول على احتياجاتهم منها من خلال تناول وجبتين في الأسبوع من الأسماك الدهنية، بدلاً من تناولها كمكملات غذائية.
وتُلقي نتائج هذه الدراسة بالضوء مرة أخرى على علاقة كمية ونوعية ومكونات الغذاء بالصحة والعافية، وبالوقاية من الأمراض والعلل، أو التسبب فيها أحيانا. فعلى حسب نتائج دراسة كبرى أخرى نشرت شهر مايو الماضي، يتسبب ما نتناوله من طعام يومي في 11 مليون حالة وفاة مبكرة سنويا. وبذلك يكون الطعام اليومي سببا أكبر للوفيات من التدخين، كونه مسؤولا عن واحدة من بين كل خمس حالات وفاة بين أفراد الجنس البشري.
فعلى حسب الدراسة الأخيرة والتي تحمل اسم «العبء العالمي للأمراض» وتعتبر المرجع الرئيس لأسباب الوفيات حول العالم، تتجه أصابع الاتهام لثلاثة متهمين رئيسين: ملح الطعام والمسؤول عن ثلاثة ملايين حالة وفاة سنويا، ثم عدم تناول كميات كافية من الحبوب الكاملة والمسؤول عن وفاة ثلاثة ملايين آخرين، ثم عدم تناول كميات كافية من الفواكه والمسؤول عن وفاة مليونين إضافيين. وبخلاف هؤلاء المتهمين الثلاثة، يُتهم أيضا - وإن كان بشكل أقل- عدم تناول كميات كافية من المكسرات، والبذور، والخضراوات، وأوميجا3 من المأكولات البحرية، بالإضافة إلى عدم تناول كميات كافية من الألياف الغذائية.
وتندرج أحماض «أوميجا-3» الدهنية تحت ما يعرف بالدهون غير المشبعة، التي تعتبر مكوناً رئيساً في العلميات الأيضية المرتبطة بالدهون، وخصوصا العمليات الفسيولوجية في الجسم البشري. ورغم هذه الأهمية الفائقة للأوميجا3، لا تستطيع الثدييات –بما في ذلك الإنسان- تصنيعها ذاتياً، ولابد من الحصول عليها من خلال الغذاء، حيث تتواجد أنواع من هذه الأحماض في بعض النباتات، مثل الجوز وبعض البذور والزيوت، كما تتواجد أنوع أخرى منها في الأسماك الدهنية، وبيض الدجاج الذي تم تغذيته على غذاء خاص.
وكثيرا ما يلجأ البعض للحصول على أوميجا3 من خلال تناول كبسولات من المكملات الغذائية، إلا أن الدراسات أثبتت أن هذه الكبسولات لا تؤثر على احتمالات الوفاة، أو الإصابة بالأمراض السرطانية، أو أمراض القلب والشرايين، كما فندت دراسات أخرى المزاعم بأن كبسولات زيت السمك تلك تحقق الوقاية من الذبحة الصدرية أو السكتة الدماغية، أو أن يكون لها أي تأثير على أمراض الشرايين.
وإن كان هذا لا يعني أن أوميجا 3 لا تحمل في طياتها فوائد صحية، وخصوصا إذا تم الحصول عليها من مصادرها الطبيعية، مثل الأسماك الدهنية، وبعض المصادر النباتية على قلتها. فعلى سبيل المثال تلعب أوميجا3 دوراً في خفض مستوى الدهون الثلاثية في الدم، والتي غالبا ما يرتبط ارتفاعها بزيادة الوزن والسمنة ومرض السكري من النوع الثاني، ضمن ما يعرف بالمنظومة الأيضية (Metabolic Syndrome). ولذا توصى الجمعية الأميركية لأمراض القلب باللجوء لأوميجا-3 كطريقة لعلاج ارتفاع مستوى الدهون الثلاثية في الدم، وبجرعات ترتبط بدرجة هذا الارتفاع، وإنْ كانت لا تتمتع أوميجا3 بتأثير يذكر على مستويات الكوليستيرول السيء أو الكوليستيرول الجيد في الدم.
وتبقى النصيحة الغذائية التي لا خلاف عليها هي: تناول كميات معتدلة من غذاء متوازن، متنوع، تشكل الخضراوات والفواكه الجزء الأكبر منه، مع وجبتين في الأسبوع من الأسماك الدهنية، وخفض المتناول من اللحوم الحمراء قدر الإمكان، ومن الأغذية المصنعة وفائق التصنيع، وخفض المتناول من السُمّين الأبيضين، السكر والملح. كل هذا يجب أن يكون بالترافق مع ممارسة الرياضة والنشاط البدني اليومي بشكل مستمر ومنتظم.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية