لرؤية ما أقوله دائماً بشأن سلوك ترامب، ما على المرء إلا تأمل الخطوات التي أقدم عليها بخصوص التجارة مع الصين خلال الشهر الماضي، والتي كانت جد غير منتظمة وغير منسجمة لدرجة أن المراقبين الذين يراقبون هذه الأشياء بشكل مهني باتوا يجدون صعوبة في تتبعها. ففي البداية، أعلن ترامب على نحو غير متوقع عن خطط لتوسيع نطاق السلع الصينية الخاضعة للرسوم الجمركية. وبعد ذلك أوعز إلى مسؤولين بإعلان الصين دولة متلاعبة بالعملة، وهي إحدى الممارسات الاقتصادية التي يُعتبر الصينيون أبرياء منها. وبعد ذلك، وربما خشية التداعيات الاقتصادية لارتفاع أسعار كثير من السلع الاستهلاكية المستورَدة من الصين خلال موسم الأعياد المقبل، والذي سينجم عن زيادة الرسوم الجمركية، قرر إرجاء الرسوم، لكنه لم يلغها.
وعلى نحو متوقع، ردّت الصين على الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة برسوم جمركية على الواردات الأميركية. وفي رده على ذلك، أعلن ترامب اعتزامه رفع الرسوم الجمركية أكثر، وأعلن أنه أمر الشركات الأميركية بتقليص أعمالها في الصين (وهو شيء ليست لديه السلطة القانونية للقيام به). وفي قمة مجموعة السبع في بياريتس الفرنسية، ألمح إلى أن لديه «أفكاراً ثانية»، لكن البيت الأبيض سرعان ما أعلن أنه، في الحقيقة، كان يتمنى رفع الرسوم أكثر من ذلك.
على أن القصة لم تنته بعد. فيوم الاثنين الماضي، قال ترامب إن الصينيين اتصلوا ليعبّروا عن رغبتهم في استئناف المفاوضات التجارية. غير أنه لم يصدر عن الصينيين أي تأكيد بهذا الشأن.
وأكرّر: كل هذا حدث خلال الأسبوع الجاري فقط. والآن، تخيل نفسك زعيماً تجارياً يحاول اتخاذ قرار وسط هذه القرارات الترامبية!
الواقع أن الحمائية لديها سمعة سيئة مبالغ فيها. فالرسوم الجمركية هي ضرائب على المستهلكين، وتميل إلى جعل الاقتصاد أكثر فقراً وأقل فعالية. غير أنه حتى الرسوم الجمركية المرتفعة لا تضر التشغيل بالضرورة، طالما أنها مستقرة وقابلة للتنبؤ: ذلك أن الوظائف التي تُفقد في القطاعات التي تعتمد على مدخلات مستورَدة، أو تعتمد على الوصول إلى أسواق أجنبية، يمكن أن تعوَّض بمكاسب من حيث الوظائف في القطاعات التي تتنافس مع الواردات.
بل إن التاريخ مليء بأمثلة لاقتصادات زاوجت بين الرسوم الجمركية المرتفعة والتشغيل الكامل تقريباً: أميركا في عشرينيات القرن الماضي، وبريطانيا في خمسينياته، وغيرهما.
بيد أن السياسات التجارية غير المستقرة وغير القابلة للتنبؤ شيء مختلف جداً. ذلك أنه إذا كانت تجارتك تعتمد على اقتصاد عالمي يشتغل بسلاسة، فإن مواقف ترامب الغاضبة تشير إلى أنه ينبغي أن ترجئ خططك الاستثمارية، وعلى كل حال، فإنك قد تكون على وشك فقدان إمكانية الوصول إلى أسواق صادراتك أو سلاسل الإمداد الخاصة بك أو كليهما. غير أن الوقت ليس مناسباً كذلك للاستثمار في أعمال وشركات تتنافس مع الواردات، إذ رغم كل ما تعرفه، فإن ترامب سيتراجع عن تهديداته في نهاية المطاف. وبالتالي، فإن كل شيء معلق، والاقتصاد يعاني.
أحد الأسئلة التي قد تسألها هو: لماذا تتسبب حالة عدم اليقين التجارية الترامبية في قلق أكثر بكثير الآن مما فعلت خلال العامين الأولين من عمر هذه الإدارة الحالية؟ جزء من الجواب يكمن، حسب اعتقادي، في أنه حتى الأمس القريب، كان معظم المحللين يتوقعون أن يُحل النزاع التجاري الأميركي الصيني بأقل قدر من الاضطرابات. وقد تتذكر أنه بعد أن ندّد ترامب باتفاقية «نافتا» باعتبارها أسوأ اتفاقية تجارية عقدتها الولايات المتحدة على الإطلاق، سرعان ما اختار اتفاقية جديدة تكاد لا تختلف عن الاتفاقية القديمة. ومعظم النشرات الإخبارية الاقتصادية التي أتوصل بها توقعت نتيجة مماثلة للتجارة بين الولايات المتحدة والصين.
وفي الأثناء، بدأ الاقتصاد الأميركي يتباطأ في وقت أخذ فيه الانتعاش القصير الذي نتج عن خفض الضرائب في 2017 يزول تدريجياً. والواقع أن زعيماً آخر ربما كان سينخرط في عملية تفكير عميق وتأمل للذات. لكن ترامب يفضل إلقاء اللوم على آخرين ومهاجمتهم. فقد أعلن كل من جيرومي باول، رئيس «مجلس الاحتياطي الفيدرالي»، وشي جين بينغ، الزعيم الصيني، عدوين له. غير أنه ومثلما أخذ يتضح، ليس ثمة الكثير مما يستطيع فعله لإخضاع «الاحتياطي الفدرالي» لمشيئته، لكن قانون التجارة الأميركي يسمح له بفرض رسوم جمركية جديدة على الصين.
وخلاصة القول هي إن الحمائية سيئة، لكن الحمائية غير المنسجمة، التي يفرضها ترامب، هي الأسوأ بالنسبة للاقتصاد. غير أن هذا هو ما لدينا في الولايات المتحدة طالما ظل ترامب في السلطة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

https://www.nytimes.com/2019/08/26/opinion/trump-china-tariffs.html