حدثان خلال الأسبوع الماضي يؤكدان مدى قوة «حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات» (BDS). أما الأول فهو إقرار مجلس النواب الأميركي تشريعاً يعارض الحركة العالمية ضد إسرائيل، في خطوة كانت متوقعة بسبب نفوذ اللوبي اليهودي في واشنطن. أما الحدث الثاني فهو انتخاب «بوريس جونسون»، الزعيم الجديد لحزب المحافظين، رئيساً لوزراء بريطانيا. فجونسون مؤيد متحمس لإسرائيل ومعادٍ لـ«حركة المقاطعة»، حيث عرض الموقع الإلكتروني لصحيفة «يديعوت أحرونوت» (واينت)، مواقف جونسون المعبرة عن «علاقته القوية بإسرائيل» حين كان رئيساً لبلدية لندن، ومن ذلك «إصداره أوامر بإزالة فورية لملصقات عرضت جوانب من جرائم الاحتلال الإسرائيلي في مترو الأنفاق في العاصمة البريطانية، بعد تلقيه رسالة نصيّة بهذا الشأن من رئيس حزب (يش عتيد)، يائير لبيد. وقد قال جونسون حينها في حديث صحفي: (حملة المقاطعة الدولية للدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط فكرة غبية)، كما حاول تقزيم إنجازات حملة المقاطعة وحصرها بأوساط أكاديمية يقودها من وصفهم بـ(نفر من اليسار الجامعي الذين لا يمثلون السلك الأكاديمي أو التيار المركزي في الغرب). كما زعم أنه لا أثر لحركة المقاطعة في بريطانيا، وقال: ينبغي أن يكون الشخص مجنوناً حتى يشارك في مقاطعة إسرائيل، الدولة الوحيدة في المنطقة التي تشهد تعددية وتمتاز بمجتمع مفتوح».
ورغم ما سبق، تتوالى نجاحات «حركة المقاطعة»، أحدثها حين أعلنت ثاني أكبر نقابة عمالية بريطانية وإيرلندية، والتي تضم أكثر من 1.2 مليون عضوٍ (Unite the Union)، انضمامها لحملة مقاطعة شركة (HP) العالمية ووقفها شراء منتجات الشركة المتورطة في الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني. وفي هذا السياق، أصدرت النقابة، خلال اجتماع مجلسها التنفيذي في يونيو الماضي، قراراً بإنهاء شراء منتجات (HP) واستبدال المنتجات الحالية، معتبرة القرار «خطوة أولية في اتجاه إرساء معايير النقابة بما يتّسق وحملات التضامن العالمية من أجل العدالة ودعم جميع العمال». وبهذا، تنضم (Unite) إلى أكبر نقابة عمالية في هولندا، وهي (FNV) التي تضم أيضاً أكثر من مليون عضو، والتي أسقطت شركة (HP) كشريك في عروضها في أبريل الماضي. وتستهدف حملة مقاطعة (HP) كلاً من شركة (HP Inc.) و(HPE) اللتين توفّران إما المعدات والتكنولوجيا للجيش والشرطة الإسرائيلييْن، أو قاعدة بيانات السكّان التي تستخدمها الدولة العبرية لتطبيق نظام الفصل العنصري (الآبارتايد). وقد علق عضو (Unite the Union)، جوزيف بلييتش، على القرار قائلاً: «التضامن مع الكفاح من أجل الحرية الفلسطينية هو جزءٌ أساسي من بناء عالمٍ عادل. فبينما تصعّد إسرائيل احتلالها ونظامها العنصري واستعمارها ضد الشعب الفلسطيني، تنتفع شركات «هيوليت باكارد» (HP) من هذا الانتهاك الخطير للقانون الدولي وحقوق الإنسان الفلسطينية. وإلى أن تُنهي شركات (HP) تورّطها في هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، سنستمرّ في استبعادها. كما ستستمر نقابتنا في النضال من أجل العمّال والعدالة في فلسطين والعالم أجمع».
وقد بدأت «حركة المقاطعة» في 9 يوليو 2005 بنداء من 171 منظمة فلسطينية غير حكومية من أجل مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، بهدف الضغط عليها حتى يتم تحقيق مطالب الفلسطينيين، خاصة فيما يتعلق بتقرير مصيرهم.
وفي هذه الأيام، تشعر دولة الاحتلال على نحو غير معهود بالتهديد من «حركة المقاطعة»، رغم قوتها الاقتصادية والعسكرية، لكنها تواجه حركة نضال شعبي ومدني تستند إلى القانون الدولي وتستمد مبادئها من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومنذ عام 2013، قررت الدولة العبرية بشكل رسمي أن «الحركة» باتت تشكل «تهديداً استراتيجياً» لإسرائيل التي تجمع بين الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري (الآبارتايد).
وفي ضوء ذلك، قررت الحكومة الإسرائيلية نقل مسؤولية محاربة «الحركة» إلى وزارة جديدة خاصة هي وزارة الشؤون الاستراتيجية، بعد أن كانت وزارة الخارجية تتولى هذا الملف.
ومؤخراً، تحدثت الصحافة الإسرائيلية عن وثيقة شخصية لوزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي «غلعاد أردان» تكشف عن حرب مستمرة لـ«الموساد» الإسرائيلي ضد «حركة المقاطعة». تؤكد الوثيقة أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية «تقاتل بطريقة خفية ضد الحركة وقادتها». كما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن أن إسرائيل «توجهت عبر (أردان) إلى 10 دول في العالم وطلبت منها إحباط نقل الأموال إلى منظمات المقاطعة الفلسطينية والأوروبية ضد إسرائيل». وحول ذلك، بين موقع «إسرائيل اليوم»: «من بين هذه الدول؛ إسبانيا وبلجيكا والولايات المتحدة وفرنسا والبرازيل والهند وألمانيا وبريطانيا».
ومن جانبها، نشرت صحيفة «بوبليكو» الإسبانية تقريراً تحدثت فيه عن الحرب المستمرة لـ«الموساد» الإسرائيلي ضد «حركة المقاطعة»، جاء فيه: «محاربة الموساد الإسرائيلي لحركات مقاطعة الاحتلال ليست أمراً جديداً، لكن وثيقة أردان تؤكد أن الأجهزة السرية للموساد تتعاون مع هذه الوزارة لتحييد الأنشطة التي تنفذها الحركة الدولية للمقاطعة منذ عام 2005 ضد الاحتلال الإسرائيلي». وبالتزامن مع التقرير المشار إليه، قالت صحيفة «هآرتس»: «أردان اجتمع مع رئيس الموساد، يوسي كوهين، وهو حليف مخلص لنتنياهو، لمعالجة الحرب على المقاطعة».
ومعروف أن «حركة المقاطعة» ليست حزباً سياسياً ولا حركة أيديولوجية، بل حركة حقوق إنسان عالمية، تعتمد على الجهود الطوعية للأفراد والمؤسسات المؤيدة لحقوق الإنسان وإعلاء شأن القانون الدولي، ونجاحاتها مبهرة لا يمكن تجاهلها.