تقدم كبير يحدث الآن في العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا. وصل هذا التقدم إلى مستوى يتيح البناء عليه من أجل إقامة شراكة استراتيجية كان تحقيقها في مقدمة أهداف زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى جاكرتا، بعد أن زار بكين التي صارت العلاقات معها نموذجاً لهذه الشراكة.
وليس جديداً اتجاه دولة الإمارات نحو شرق آسيا. العالم ليس محصوراً في نصفه الغربي فقط. والدول الناهضة، التي تخطو بسرعة إلى الأمام، تحرص على توسيع نطاق علاقاتها في أنحاء العالم. ومثلما اهتمت القيادة في دولة الإمارات بتقوية العلاقات مع الصين، صاحبة أكبر اقتصاد في شمال شرق آسيا، حتى قبل أن تصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ازداد اهتمامها أيضاً بتدعيم الروابط مع إندونيسيا صاحبة أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا.
ورغم التفاوت بين وزني الصين وإندونيسيا في الاقتصاد العالمي، يظل تعزيز العلاقات مع كل منهما ضرورياً للدول التي تعرف كيف تُبنى دعائمُ التقدم في هذا العصر، انطلاقاً من إدراك المعنى الحقيقي لحالة الاعتماد المتبادل الذي أصبح السمة الأساسية لعالم اليوم، والاقتناع بأن نجاح أي علاقات يرتبط بمدى استفادة طرفيها منها.
ولذا، شهد العقدان الأخيران توسعاً في علاقات الإمارات الدولية على نحو يقل مثله في العالم. وكان تعزيز الاتجاه نحو شرق آسيا، أحد أهم معالم هذا التوسع الذي يشمل إندونيسيا.
ولا يعني هذا أن علاقات دولة الإمارات بإندونيسيا جديدة. فقد بدأت هذه العلاقات على المستوى الدبلوماسي عام 1976. لكن التطورات المهمة فيها بدأت قبل نحو عقدين عندما زار المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، جاكرتا عام 1990، أي في الوقت الذي ازداد الاتجاه إلى الاعتماد المتبادل على المستوى الدولي، وسعت دولة الإمارات إلى فتح آفاق جديدة لتوسيع نطاق علاقاتها الدولية وتعزيزها.
وشهدت الفترة التالية تطوراً تدريجياً حقق تراكماً أتاح تسريع معدلات التقدم في العلاقات بين الدولتين، وصولاً إلى زيارة الرئيس الإندونيسي السابق سوسيلو يودوهوتو إلى أبوظبي في مايو 2006. وازداد هذا التقدم في السنوات الأخيرة، إذ زار الرئيس الإندونيسي الحالي جوكو ويدودو أبوظبي في منتصف سبتمبر 2015، أي بعد نحو عام على بداية فترته الرئاسية الأولى.
وكانت تلك الزيارة بداية نقلة جديدة في العلاقات بين الدولتين، في ظل الثقة التي تنامت بينهما بفضل حرص قيادة دولة الإمارات على وضع إندونيسيا في مكانة متقدمة على خريطة علاقاتها الدولية، وجهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في تنمية هذه العلاقات، وإدراك الرئيس ويدودو أهميتها. وساهمت اهتمامات القائدين في تسريع معدلات تنمية العلاقات بين الدولتين، إذ يجمعهما اهتمام فائق بدور الاقتصاد والتجارة والاستثمار في تقدم الدول والشعوب، خاصة أن الرئيس الإندونيسي جاء من أوساط ريادة الأعمال التي تحظى دولة الإمارات بالمكانة الأولى فيها على مستوى الشرق الأوسط. كما يعرف ويدودو قيمة تنمية العلاقات مع دولة حققت تراكماً كبيراً في هذا المجال مثل دولة الإمارات. وقد ساهم توطيد العلاقات بينهما في دفع عجلة التقدم في العلاقات بين الدولتين. ولذا، كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد أول مسؤول كبير على هذا المستوى يزور إندونيسيا عقب إعادة انتخاب ويدودو لفترة ثانية في 26 مايو الماضي.
وإذا أخذنا تنامي حجم التجارة بين الدولتين مثالاً، نجد أنه حقق معدلاً قياسياً، وبلغ نحو 3.7 مليار دولار عام 2018. كما ازداد عدد العاملين الإندونيسيين في دولة الإمارات حتى تخطى عددهم المئة ألف العام الماضي. وهم يحظون بفرص متكافئة في إطار المساواة الكاملة التي توفرها دولة الإمارات في الحقوق والواجبات.
وفي هذه الأجواء المفعمة بالتفاؤل بشأن مستقبل العلاقات، فتحت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، إلى جاكرتا الأسبوع الماضي الباب أمام مرحلة جديدة نجد أهم ملامحها فيما أسفرت عنه من اتفاق كامل على توسيع مجالات التعاون في مختلف القطاعات الاقتصادية، وفي محاربة التطرف والإرهاب، ونشر قيم التسامح والتعايش والأمن والاستقرار.
وهكذا، تمضي العلاقات بين الإمارات وإندونيسيا في طريقها نحو شراكة تعود بالنفع والخير على الدولتين وشعبيهما.

*مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية