تشير الكثير من الدراسات إلى أهمية المعالجة بالموسيقى لما لها من تأثير على الصحة البدنية والنفسية، ولكن، كيف يمكن لنا التوفيق في هذا المقال بين المعالجة بالموسيقى (التي ذكرتها في إحدى مقالاتي السابقة) وبين أضرارها؟ يسلط هذا المقال الضوء على التأثير السلبي وأيضاً الإيجابي للموسيقى على نفسية السجناء.
قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) البقرة/143. الدين الإسلامي هو دين الاعتدال والأمة الوسط هي التي تمثل الاعتدال والرشد والفهم في كافة جوانب الحياة من غير إفراط ولا تفريط. وهذا ينطبق على استقبال درجة تردد الصوت لأعضاء جسم الإنسان. الله سبحانه وتعالى خلق أعضاء جسم الإنسان بحيث تعمل تحت تأثير إيقاع صوتي بدرجة معينة. فعندما يتعرض الإنسان إلى تردد صوتي أعلى من الحد الطبيعي لبنية جسمه فإن الجسم يحاول أن يقاوم بدرجة أعلى من اللازم مما يشكّل ضغطاً وإرهاقاً عليه.
تستخدم أنواع معينة من الموسيقى إما كوسيلة علاجية لحالة السجين أو أنها تستخدم كوسيلة لتعذيبه. على سبيل المثال تستخدم الموسيقى في سجون لبنان كوسيلة علاجية وذلك من خلال انتقاء نوع معين من الموسيقى الهادئة والخالية من الإيقاع القوي. وأثبتت الموسيقى فعاليتها في هذه الحالة حيث أنجز السجناء مهام عديدةً، ومنها إنجاز دروس محو الأمية والأعمال المهنية. وامتد تأثيرها الإيجابي إلى الحالة الصحية للسجناء ومنها ضبط سلوكهم وتقليل الآلام الناتجة عن الأمراض العقلية والنفسية. وفي سجون نيجيريا يتم تقديم دورات تدريبية للسجناء في فن الموسيقى وكذلك في سجون بريطانيا تقدم أنشطة ترفيهية وفقرات غنائية لتحسين الحالة المزاجية للسجناء. تبين من خلال إدراج الموسيقى في السجون أن لها تأثيرا إيجابيا على تأهيل الفرد وتمكينه وإعادة دمجه في المجتمع.
أما في الولايات المتحدة تستخدم الموسيقى كوسيلة لتعذيب السجناء واستخدمت بفعالية في سجن أبوغريب بالعراق، وكذلك في سجن غوانتنامو في كوبا. وتم تصنيف التعذيب بالموسيقى في السجون بأنه محظور بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، إلا أن بعض الدول تجيز هذا النوع من التعذيب. وتستخدم أنواع معينة من الموسيقى لتعذيب السجناء منها موسيقى «البوب» و«الميتالك»، حيث يتم إجبار السجناء على الاستماع إلى الموسيقى الصاخبة بتردد عالٍ جداً مع تسليط ضوء شديد على السجين لأكثر من 15 ساعة في اليوم. وينتج عنها تدمير نفسية السجين مما تقوده إلى اعترافه إذا كان مذنباً. يقول د. هرنان رييس إن التعذيب النفسي يؤدي إلى إحداث تأثيرات قوية على القدرات الإدراكية والعقلية للسجين. فعندما تستقبل أعضاء جسم الإنسان الموسيقى الصاخبة، تقوم على تحفيز هرمون التوتر، فينتقل السكر من الدماغ إلى العضلات فتقل نسبة السكر في الدماغ، فيحدث ضعف في الخلايا العصبية بالدماغ.
يوضح د. أحمد فوزي استشاري الصحة النفسية: «بأن الموسيقى الصاخبة تجهد الخلايا العصبية الموجودة بالدماغ، ويصبح الإنسان أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، مثل التوتر وقلة النوم والكآبة، وقد تدفع إلى الانتحار». وأكد البروفيسور فريدريك هارمس، أن الاستماع للموسيقى الصاخبة قد يحدث خللاً في التوازن النفسي والذهني وزيادة الإصابة بالانهيارات العصبية، وقد تؤدي إلى الوفاة. ويظهر تقرير الأكاديمية الملكية للموسيقى في بريطانيا أن ضحايا الموسيقى الصاخبة وصل إلى 75,000. فالموسيقى الصاخبة تجعل الجسم غير قادر على ترميم الخلايا التالفة. أثبتت إحدى الدراسات في المملكة المتحدة أن الاستماع إلى الموسيقى الصاخبة له أضرار فتاكة ليس فقط على الدماغ وإنما له تأثير مدمر على الجهاز السمعي. حيث يؤدي إلى تلف في شعيرات الأذن الداخلية، والتي تنحصر وظيفتها في استقبال الصوت كإشارات كهربائية للدماغ لتحويلها إلى الصوت. ويحدث ما يعرف بالطنين في الأذن الذي يمكن أن يصيب بالطرش.
استخدام الموسيقى الهادئة له تأثير في تهذيب طباع السجين. وهذا النوع هو الذي ينصح به الأطباء لمعالجة عدد من الأمراض. أما الموسيقى الصاخبة (المتاليك والروك) فإنها تُدمر نفسية السجين. وهذا النوع هو الأكثر انتشاراً بين المحبطين والمكتئبين.
*أستاذ مساعد بأكاديمية الإمارات الدبلوماسية.