موضوعان حظيا في الفترة الماضية بالتركيز الإعلامي وكان لهما تداعيات. في التحليلات التي تأتي بين الواقعي تارة والاجتهاد تارة أخرى، ثمة إفادة بأن إيران لم تترك تصرفاً في الفترة الماضية إلاّ وقامت به، لتُكمل بذلك سيناريو الحرب على نفسها، فثمة من يشبّه السيناريو الذي تصنعه إيران حالياً بالسيناريو العراقي عام 1991م، وطبيعي أن تكون النتائج الكارثية المتوقعة هي إياها، فذلك الزلزال العراقي في تسعينيات القرن الماضي، مازالت هزاته الارتدادية على الأرض وفي النفوس تجري حتى اليوم. المُحللون هؤلاء يعلنون فيما يشبه (ثبوت الرؤية) للحرب، خصوصاً بعد استقبال 500 جندي أميركي على التراب السعودي. وهؤلاء يضربون لها موعداً في غضون الشهر أو أقل. وكلنا يعلم ما استوجب الحرب على العراق من تمهيدات وقتذاك، في التسعينيات، بعضها كان في مياه الخليج العربي، كما هو الوضع حالياً: فمن حرب الناقلات، إلى الألغام البحرية الإيرانية، وصولاً إلى الوجود العسكري الأجنبي، البوارج والمدمرات والغواصات والطائرات، كلها لتأمين ناقلات النفط والسفن التجارية. فما أشبه اليوم بالأمس. كيف ستكون الحرب التي ستنشب هذه المرة وعمادها التقنية والذكاء الاصطناعي؟
الله أعلم، فلسنا هنا في مجال توصيف للحرب أو حتى تخيلها، لكن الجميع يعلم أن الحرب إشارة على عجز الوسائل والسبل الأخرى، السلمية، لذلك فإن الحرب إن نشبت فستجيز لنفسها ما يصعب تحديده اليوم، لكن إيران تعلم ما فعلته في العراق على مدى 16 عاماً الماضية، وبالتالي فإن توقعاتها لتفاصيل الفتك ستكون أدق وأوضح من توقعات أي أحد آخر. القناعة الراسخة لدى جزء كبير من الشعب الإيراني أن التغيير في بلادهم أصبح ضرورة. الموضوع الثاني بدأته وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي حيث وفرت للمتابعين مشاهدة غريبة لـ(يوتيوب) يصوّر زيارة شخص يلبس (بشتاً) خليجياً يسير نحو الأقصى لـ(الصلاة)، وحوله أطفال وشباب فلسطينيون يريدون منعه، وبعضهم كان يشتمه بصوت مسموع وواضح. أكثر من رواية أفادت أن الشخص ضمن وفد صحفي عربي عدد أعضائه ستة، بينهم خليجيون، يزور إسرائيل بدعوة رسمية من وزارة الخارجية. كما وجدت تغريدة لـ(نزار عامر) المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية بالإنابة، يرحب خلالها بالوفد ويعلق (إن الزيارة تهدف لبناء جسور السلام والتفاهم بين الشعوب) على حد تعبيره. من جهة أخرى أكدت المنظمات الصحفيّة في كل من الإمارات والبحرين والسعودية نفيها إرسال أي أحد من أعضائها إلى فلسطين المحتلة، وقالت ربما كان الذاهبون إلى فلسطين المحتلة مقيمين في الخارج ويحملون جنسيات عربية وخليجية.. وهنا ينتهي الفيلم الإسرائيليِّ الإخراج والسيناريو الذي وصلت رسالته الاستفزازية. لننتقل بعده إلى فيلمٍ سينمائيٍ آخر، حقيقي وعملي هذه المرة ولا يحتاج إلى كلام، وشهدته كل كاميرات العالم، ومحتواه ارتكاب كارثة إنسانية في موقع بين القدس والضفة الغربية في منطقة «صورباهر» المحتلة، حيث قام المئات من عناصر الشرطة والقوات الإسرائيلية بتطويق 12 مبنى وهدمها وتشريد سكانها وهم بالمئات. وصفت هذه العملية فلسطينياً بـ(المجزرة). أما نحن فتبين لنا أن فيلم (البشت والصلاة والأقصى) إنما جاء ليغطي على فيلم الهدم والرعب والتشريد.. غريب ألا يطوّر التحدي الإسرائيلي إمكانيات التفكير لدى الأمة.
*إعلامي وكاتب صحفي