تقدم المدن الذكية وعدين أساسيين: البيانات الكثيرة وصناعة القرار الأوتوماتيكية بناء على هذه البيانات. والمدينة الذكية تماماً ستتطلب طائفة من التكنولوجيات الموجودة والتي ستُبتكر من المجسات إلى الروبوتات إلى الذكاء الاصطناعي. وهذا يحمل الأمل لكثيرين بظهور مدينة أكثر كفاءة ومساواة، لكنه بالنسبة لآخرين يثير أسئلة عن الخصوصية والتحيز اللوغاريتمي في برمجة البيانات. والقلق الأكبر في المدن الذكية أنها ستكون معقدة بشكل متزايد في إدارتها لما يكتنفها من نقاط الضعف التي لا يمكن توقعها. صحيح أنه سيكون هناك دوماً مكان للتكنولوجيا الجديدة في بنيتنا الحضرية، لكن ربما نكتشف أن المدن «الغبية» أحسن أداءً من المدن الذكية.
ونعلم من خبرتنا الشخصية أن منتجات التكنولوجيا عمرها الافتراضي قصير. ونحن نقبل التعطل المعتاد في الإنترنت والهواتف الخلوية كواقع معتاد. والتكنولوجيا يتجاوزها الزمن سريعاً ويتزايد تعطلها بعد مرور سنوات قليلة من ظهورها. لكن هل نقبل معدل التعطل نفسه مثلا في خدمات الماء والكهرباء؟ البنية التحتية للمدن، وخاصة في الدول مرتفعة الدخل، صُممت كي تستمر لعقود وقرون. لكن التكنولوجيا الجديدة لعام 2015 تصبح قديمة قبل عام 2020. وإذا نشرنا التكنولوجيا الذكية على نطاق واسع في المدن، فعلينا أن نكون مستعدين لإحلالها كل بضع سنوات بما يترتب على ذلك من تعطل وتكلفة.. فمن سيضطلع بتحمل هذه التكلفة؟
وعلى افتراض أن عمليات التحديث تلك تحدث في مدينة تدار بطريقة ديمقراطية، فمن يمكنه أن يضمن أن زعماء المستقبل المنتخبين لن يقصروا في الإنفاق على عمليات إحلال التكنولوجيا؟ ويتعين على المدن أن تضع خطة للحظات التي لا يمكن تجنبها حين تعجز المجسات عن القيام بمهامها. فتعطل الأنظمة الهندسية يأتي عادة في أكثر اللحظات حرجاً، كأن تتساقط كميات كبيرة من المياه في عاصفة وتنهار شبكة الكهرباء الخاصة بالنظام الذكي لإدارة مياه العواصف.
إن إدارة كل المجسات والبيانات تتطلب جهازاً بيروقراطياً جديداً يعمل فيه خبراء التكنولوجيا وعلوم البيانات وعلم الآلات. وإذا كانت الإجابة هي الاستعانة بشركات خاصة، فسيتعين على المدن إجراء محادثات صريحة بشأن ما يعنيه هذا للحكم الديمقراطي.
والسؤال الأكثر حيوية هو: هل ظهور مدينة ذكية سيجعلنا أفضل حالا وأقدر على حل المشكلات الحضرية؟ البيانات وبرمجتها وحدهما لا يضيفان الكثير. وإذا كانت البيانات الذكية تحدد وجود طريق تحتاج إلى تعبيد، فمازال العمل يحتاج إلى حضور أشخاص ومعهم الإسفلت وآلات الرصف. كما أن هناك حلولا «غبية» لكثير من التحديات الحضرية. صحيح أن تكدس حركة السير يمكن معالجته بالسيارات ذاتية القيادة، ولكن أيضاً بإقامة خطوط قطارات أفضل ونظام حافلات سريعة التردد وحارات مخصصة للدراجات. والمنازل يمكن تغطيتها بمجسات للتحكم في نظم أوتوماتيكية للتدفئة والتبريد، ولكن أيضاً بنوافذ تناسب الطقس ومواد عزل عالية الجودة. وصناديق النفايات العامة يمكن تفريغها حين تخبرنا المجسات بأنها امتلأت، أو على أساس دوري بناءً على خبرة عمال بلدية محنكين يتقاضون رواتب جيدة.
وباعتباري مهندسة بنية تحتية، فإنني أبحث عن أبسط الحلول الفاعلة بأقل قدر من العواقب السلبية. فما الذي سيكون أكثر قدرة على الصمود والفاعلية على المدى الطويل؟ الإجابة هي أن الحلول التكنولوجية للتحديات الحضرية شيء شيق، لكنه معقد بغير ضرورة لحل تحديات يمكن التغلب عليها بحلول أبسط.

*أستاذ مساعد للهندسة المدنية والتعدينية في جامعة تورونتو الكندية
ينشر بترتيب خاص متع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/07/16/opinion/the-case-for-dumb-cities.html