يستعد «بوريس جونسون» الآن لأن يرث أزمة سياسة خارجية، تجعل عمله الشاق بالفعل أكثر صعوبة. فقد أُخِذَت القوات البحرية البريطانية، التي كانت ذات يوم قوة بحرية لا يستهان بها، على حين غرة يوم الجمعة قبل الماضي، عندما نزلت قوات تابعة للحرس الثوري الإيراني على سطح السفينة «ستينا إمبيرو»، وهي ناقلة نفط تحمل العلم البريطاني. وربما تكون السفينة قد تم تحويلها عن مسارها عن طريق «خدعة» تتمثل في تقديم إحداثيات كاذبة لنظام تحديد المواقع. ما كان يجب أن يكون ذلك مفاجأة، وكما يشير زميلي الصحفي «ديفيد فيكلينج»: حددت إيران تاريخ ووقت تحركها الانتقامي بعد أن قامت بريطانيا في وقت سابق من هذا الشهر باعتراض ناقلة إيرانية بالقرب من جبل طارق، والتي كانت تحمل نفطاً إلى سوريا في انتهاكٍ لعقوبات الاتحاد الأوروبي. وقد تسبب افتقار بريطانيا إلى الاستعداد في إيجاد كابوس فوري في السياسة الخارجية لـ«جونسون».
في التعامل مع الأزمة، لم يكن أمام «جونسون» ظروف أسوأ من ذلك. فحزب «المحافظين» الذي يرأسه يتمتع بأغلبية حاكمة ضئيلة للغاية (اعتماداً على الحزب الاتحادي الديمقراطي الشمالي الأيرلندي) والتي من الممكن أن تختفي إذا كانت هناك انشقاقات كافية حول موقفه المتشدد من بريكست. وبغض النظر عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يميل المشرعون بالفعل إلى النظر إلى تصريحاته بعين الشك، نظراً لسلسلة من الأخطاء التي ارتكبها أثناء شغله منصب وزير الخارجية – بما في ذلك خطأ من المرجح أن يزيد محنة الأم البريطانية –الإيرانية «نازانين زاجاري-راتكليف»، السجينة في إيران.
جونسون مرتبط بصداقة مع ترامب، لكنه لا يجب أن يتوهم أن الولايات المتحدة ستمنحه أي مزايا دون أن تطلب شيئاً في المقابل. والولايات المتحدة بالفعل في خلاف مع حكومة بريطانيا بشأن سياسة إيران – جزئيا لأن جونسون، عندما كان وزيراً للخارجية، عارض تخلي ترامب عن الاتفاق النووي الإيراني. ومما زاد الطين بلة تسريب البرقيات الدبلوماسية التي أرسلها السفير البريطاني السابق لدى الولايات المتحدة وينتقد فيها ترامب. وفي يوم الاثنين الماضي، أوضح وزير الخارجية الأميركي «مايك بومبيو» أن المسؤولية «تقع على عاتق المملكة المتحدة في رعاية سفنها».
وطبيعي أنه في الأزمة، ستعتمد بريطانيا بشدة على الاتحاد الأوروبي للحصول على دعم سياسي ومادي. لكن العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي متوترة بسبب عزم «جونسون» الخروج من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر «مهما يحدث» – وهو الوعد الذي يضعف أمن الاتحاد الأوروبي ويهدد بإغراق إيرلندا، جارة بريطانية وعضوة الاتحاد الأوروبي، في أزمة اقتصادية عميقة.
ربما تعتقد أن «بريكست» لن يكون له علاقة بالأمور الدفاعية. فقد صرحت «ماي» نفسها بوضوح أن بريكست لن يقف في طريق الشراكة الأمنية الوثيقة لبريطانيا مع أوروبا. وكثيراً ما يقول المؤيدون لبريكست إن الاتحاد الأوروبي يعتمد بدرجة كبيرة على الاستخبارات البريطانية وقوتها العسكرية. ولكن كما تعلمت «ماي»، فإن غير الأعضاء لا يمكنهم الانخراط بشكل وثيق في سياسات الأمن والدفاع للاتحاد الأوروبي بنفس الطريقة التي يستطيع بها الأعضاء ذلك. لقد أطلقت بريطانيا بالفعل برنامج «جاليليو» للأقمار الصناعية، المعادل الأوروبي لنظام الملاحة الأميركي «جي بي إس» (GPS). وعندما اقترح وزير الخارجية البريطاني «جيرمي هانت» أن تتعاون بريطانيا والاتحاد الأوروبي في مراقبة مضيق هرمز، أثيرت تساؤلات حول شروط هذا التعاون.
وربما يسعى جونسون لاستغلال هذه الأزمة لصالحه، لكن أين نفوذه؟ لقد تم طرح بريكست ليس فقط كوسيلة للهروب من لوائح الاتحاد الأوروبي والسيطرة على الهجرة، بل أيضاً كوسيلة لإحياء حقبة كانت تسيطر فيها البحرية الملكية على البحار، بيد أن الأسطول الملكي حالياً في حالة تراجع، سواء ما يتعلق بعدد السفن والأفراد.
ومن غير المتوقع أن يحاول جونسون تغيير هذا الوضع بمرور الوقت. ومع ذلك، فإنه إذا تعثر جونسون وقام بإتمام بريكست من دون اتفاق، ربما يكون أكثر خيارات بريكست تكلفة. ولكسب الدعم، وعد جونسون بتقديم مساعدات، بما في ذلك تقديم تخفيضات ضريبية للأثرياء نسبياً. ومن المشكوك فيه أنه سيكون هناك ما يكفي من المال لتعزيز الإنفاق الدفاعي. لكل هذه الأسباب، فإن أزمة إيران تظهر الوضع الذي ورثه جونسون.
*كاتبة متخصصة في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»