قبل أكثر من عقدين كنت في مكتب الرئيس الإندونيسي الأسبق «حبيبي» في حوار منفرد، فبادرني بالسؤال قائلاً: «هل تعرف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان؟» فأجبته: «كما أعرف نفسي»، فابتسم ابتسامة الوالد الحاني فقال «أرجو أن تبلغه سلامي، لقد مرت فترة زمنية طويلة لم أره فيها منذ أن انتهى من فصول دراسة الطيران عندي».
هكذا يمكن أن نختصر قصة العلاقة القوية بين الإمارات وإندونيسيا الدولة القارة الذي يقطع فيها الطيران من الداخل سبع ساعات متواصلة ولا ترى لها نهاية.
تفكير الإمارات القاري دفعها للبحث عن قرابة ثلاثمائة مليون مسلم وغير مسلم يقطنون أرض البهارات على طول الطريق البري من جاكرتا إلى باندونج قلب صناعة الطيران في قارة آسيا ومنشأ دول عدم الانحياز.
عندما بادر «التحالف العربي» بالدفاع عن الشرعية في اليمن، بادرت إندونيسيا باستعدادها للدفاع عن المقدسات في أرض الحرمين إن استدعت الظروف ذلك، فلن تتوانى عن القيام بشرف هذا الواجب لحظة.
أكثر من 100 ألف إندونيسي يقطنون أرض الإمارات وأكثر من سبعة آلاف سائح إماراتي يزورون إندونيسيا سنوياً بسبب التنوع الذي يتمتع بهما المجتمعان، في الأديان والمعتقدات، وكذلك في الإنسان والعمران، إضافة إلى الشطآن الخلابة والطبيعة الساحرة، ففي أبوظبي وحدها 200 جزيرة من غير الجزر الصناعية على مستوى الدولة، وبالمثل مع الأخذ في الاعتبار نسبية المساحة الجغرافية، ففي إندونيسيا أكثر من508 17 ألف جزيرة لا يكفي العمر للتجوال فيها، ويطوق كافة سكانها عِقد من 721 لغة يتناغمون معها في سيمفونية مميزة.
نمضي قدما إلى البعد الاقتصادي بين البلدين، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الإمارات وإندونيسيا في عام 2019 حوالي أربع مليارات دولار، إضافة إلى إدراجين لصكوك خضراء بثلاثة مليارات دولار في «ناسداك دبي»، العاصمة العالمية للاقتصاد الإسلامي.
وتمتد العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وإندونيسيا لأكثر من أربعة عقود متواصلة.
لقد بدأت العلاقات بين الدولتين عام 1976، وتم افتتاح السفارة الإندونيسية بأبوظبي في 28 أكتوبر 1978، على مستوى القائم بالأعمال حتى 29 مارس 1993، حيث قامت إندونيسيا بتعيين أول سفير لها بدولة الإمارات. ومن بعد تم افتتاح قنصلية عامة بإمارة دبي في شهر فبراير 2004، وكذلك لدى إندونيسيا مكتب للترويج التجاري تم تفعيله في فبراير2003، بالإضافة إلى مكتب للاستثمار تم افتتاحه في 2010، وفتحت سفارة دولة الإمارات بجاكرتا في 10 يونيو 1991.
أما البعد الإنساني والمتمثل في مد اليد البيضاء للمتأثرين بالفيضانات أو السيول والكوارث المترتبة عن ذلك، فقد قامت الإمارات بفتح مكتب خاص للهلال الأحمر في جاكرتا عام 1997 من أجل تقديم خدمات عاجلة ودعم سريع للشعب الإندونيسي حال وقوع الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية للحد والتخفيف منها قدر المستطاع.
ولسنا هنا في صدد حصر المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى إندونيسيا، ولكن لضرب المثل نقول عندما ضرب زلزال شديد جزيرة جاوة نتذكر مكرمة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لتخصيص أربعة ملايين دولار لمؤازرة المتضررين.
واصلت الإمارات تقاربها مع إندونيسيا أكثر، عندما قامت بإنشاء مكتب للخدمات القنصلية بجاكرتا في أغسطس 2014، وافتتح بشكل رسمي في 30 أكتوبر 2014، وكان الهدف من ذلك هو توفير خدمات إلكترونية فائقة السرعة وبالأخص لفئة العمالة المساعدة.
في المجال ذاته قام وفد من وزارة الموارد البشرية والتوطين بزيارة إلى إندونيسيا عام 2017 لتعزيز التعاون في مجال استقدام وتشغيل العمالة الإندونيسية في الخدمات المساعدة وفي منشآت القطاع الخاص.
واتفق الجانبان على تشكيل لجنة فنية لاستكمال التشاور بشأن تأطير برنامج للتعاون المشترك وتحديد الخطوات التنفيذية اللاحقة.
في عام 2016 عُقد ملتقى رجال أعمال «الإمارات - إندونيسيا»، وبلغت حصيلة استثمارات الإماراتيين 70 مليون درهم، إلا أن المسؤولين الإندونيسيين طرحوا مشاريع استثمارية قدرت بأكثر من مليار دولار، لإثبات أن الفرص هناك واعدة ومجدية.
*كاتب إماراتي