إندونيسيا دولة كبيرة في هذا العالم. فهي أرخبيل يتألف من 508 17 جزيرة ممتدة على مسافة 5360 كيلومترا، أي ما يقارب المساحة بين لندن وأفغانستان. ومع هذا التكوين الفريد من نوعه، فإن الاقتصاد الإندونيسي هو الأكبر في جنوب شرق آسيا، ولعلها مفاجأة القول إن اقتصادها أكبر من اقتصاد بريطانيا أو فرنسا إذا ما قيس بميزان القوة الشرائية، ذلك أن عدد سكان إندونيسيا يبلغ حوالي 265 مليوناً، نصفهم دون سن الثلاثين من العمر. وهذا يعني أن إمكاناتها الإنسانية، إلى جانب إمكاناتها الاقتصادية، وموقعها الجغرافي بين أستراليا واليابان والصين يمكّنها من أن تلعب دوراً مهماً اقتصادياً وسياسياً يتجاوز القارة الآسيوية إلى العالم.
واستناداً إلى تقرير أعده البنك الدولي، فإن إندونيسيا تصنّف الآن بين الدول العشر الأولى في العالم من حيث تطوير الاقتصاد الوطني ومن حيث تسهيل إجراءات العمل فيها. وقد تقدمت 15 درجة عما كانت عليه قبل عام واحد فقط، وهي تحتل الآن المرتبة 91 من بين 190 دولة في العالم بالنسبة لتسهيل إجراءات الاستثمار والعمل، وتوجد 35 صناعة في إندونيسيا شرعت أبوابها للاستثمار الخارجي.
من هنا تأتي أهمية التعاون معها، سياسياً واقتصادياً. ومما يزيد في هذه الأهمية أنها الدولة الإسلامية الأكبر عدداً والأوسع مساحة.
إلا إنه توجد في إندونيسيا، العضو المؤسس في منظمة التعاون الإسلامي، أقليات دينية عديدة أخرى، كالبوذية والهندوسية، كما توجد أقلية مسيحية ارتفع عددها إلى ما يعادل 8 بالمائة تقريباً من السكان. ويتطلب هذا الواقع تبادل التجربة والخبرة مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي رفعت التسامح شعاراً وسياسة لها، واستقبلت البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وقررت بناء كنيسة تحمل اسمه تقديراً لمواقفه الانفتاحية على الإسلام ولمبادراته الإنسانية المتعددة.
غير أن التحدي الأكبر الذي واجهه الرئيس الإندونيسي هو تطوير وتحسين البنية التحتية لربط الجزر الإندونيسية مع بعضها، وقد اصطدم هذا المشروع الطموح بقرار الدولة تخفيض نفقاتها حوالي 10 مليار دولار حتى لا يتجاوز عجز الموازنة نسبة 3 بالمائة من الدخل القومي. غير إن المشروع مفتوح أمام الاستثمارات الخارجية، وإذا تمكنت إندونيسيا من إنجاز هذا المشروع، فإن الاستثمارات الخارجية قد تنهمر عليها من كل حدب وصوب.
ولكن رغم كل هذه الإمكانات الواسعة التي تتمتع بها إندونيسيا فإن بعدها الجغرافي عن العالم العربي وضعها في بعض الأحيان خارج دائرة الاستثمارات والسياحة، علماً بأن الإسلام دخل إلى إندونيسيا من خلال التجار المسلمين العرب الذين وصلوا إليها، وإلى ماليزيا، حاملين معهم إيمانهم وطموحاتهم. وأدى اختلاطهم بالسكان المحليين إلى انتشار الإسلام بينهم، حتى إن وزير الخارجية الإندونيسية الأسبق كان يتحدر من أصول عربية خليجية. من هنا فإن ثمة وشائج روحية ومصالح اقتصادية واستثمارية مشتركة تتطلب تعزيز العلاقات بين إندونيسيا والعالم العربي.
لا تكتمل صورة إندونيسيا من دون الإشارة إلى البراكين، ففيها 127 بركاناً ناشطاً، وهي موجودة بمواقع نائية نسبياً، وأصبحت جزءاً من الثروة السياحية، وفي غاباتها الاستوائية ثروات حيوانية بعضها لا يزال مجهولاً. فإندونيسيا عالم خاص بذاته، إلا أنه منفتح على الحوار، وهو أكثر ما يكون انفتاحاً على العالم العربي- الإسلامي الذي يعتبر نفسه امتداداً له.
*كاتب لبناني