تسعى دولة الإمارات إلى تنمية علاقاتها الاقتصادية مع مختلف دول العالم، وبالأخص الدول ذات الثقل الاقتصادي والمؤثر، وذلك لما توفره هذه الاقتصادات من أسواق بفرص واعدة، سواء فيما يخص تنمية صادرات الدولة ودعم تنوعها الاقتصادي، أو استيراد أفضل التقنيات والمنتجات بأسعار تنافسية وإعادة تصديرها، وهو ما يساهم في تعزيز مكانة الدولة، كمركز تجاري ومالي عالمي.
وتتميز زيارات كبار مسؤولي الدولة بزخم أجنداتها الاقتصادية، مما يؤشر لحجم الاهتمام الرسمي بالتطورات السريعة الجارية في العالم، وبالأخص ما يتعلق بالاقتصاد الرقمي والاتصالات والذكاء الاصطناعي، حيث يتضح ذلك من طبيعة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي يتم توقيعها، وبالأخص تلك التي وقعت مؤخراً أثناء زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لكل من الصين وإندونيسيا، إذ وقعت أكثر من 30 اتفاقية ومذكرة تفاهم مع الصين وحدها، تغطي مختلف أوجه التعاون مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وعلى النهج نفسه تتمخض زيارة سموه لإندونيسيا عن اتفاقيات مماثلة ستعكس قدرات البلدين ومجالات التعاون بينهما، وهي كثيرة ومتنوعة وبحاجة لدعم إضافي، فالبيانات المتوفرة تشير إلى أن التبادل التجاري بين الطرفين الإماراتي والإندونيسي لا يتجاوز 3.7 مليار دولار سنوياً، حيث يملك البلدان إمكانيات كبيرة تتيح تنمية التبادل التجاري ومضاعفته في الفترة القادمة، إذ وقعت مؤخراً مذكرة تفاهم لتنمية صناعة المنتجات الحلال، بهدف رفع قيمة التجارة بين البلدين إلى 5.5 مليار دولار.
والحال، فان الاتفاقيات المتوقع إبرامها بين الجانبين أثناء الزيارة الحالية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ستتجاوز الأرقام المستهدفة السابقة لتصل بعلاقات البلدين إلى آفاق أوسع، لتشكل نقلة نوعية تعكس حقيقة الإمكانيات المتوفرة والمتاحة في كل من الإمارات وإندونيسيا، فعلى سبيل المثال تعتبر إندونيسيا ضمن مجموعة العشرين المكونة لأكبر اقتصادات العالم، كما يبلغ عدد سكانها 270 مليون نسمة وبناتج محلي إجمالي يتجاوز تريليون دولار.
في المقابل تعتبر دولة الإمارات من البلدان الناشئة سريعة النمو ومركزاً تجارياً ومالياً عالمياً يتوسط القارات، ودولة نفطية تتمتع بإنتاج متنوع من السلع البتروكيماوية والألمنيوم ومكونات الطائرات التي تحتاجها أسواق مختلف البلدان، بما فيها إندونيسيا، مما يعني أن التبادل التجاري الحالي بين الطرفين لا يعكس هذه الأهمية الكبيرة والقدرات المتوفرة والتي يمكن مضاعفتها في الفترة القادمة.
من هنا بالذات، تأتي الأهمية البالغة لهذه الزيارة والتي ستساهم مساهمة فعالة في إحداث تغيير مهم للعلاقات الاقتصادية والتجارية والتعاون الثنائي بين واحدة من أكبر اقتصادات العالم والتي لديها الكثير من المتطلبات التي يمكن لدولة الإمارات توفيرها، كما أن هناك إمكانيات واعدة للتعاون في مجال إنتاج النفط والغاز والخدمات اللوجستية، وبالأخص البحرية والجوية منها، وذلك بالإضافة إلى القطاع الصناعي والزراعي والسياحي والمالي والتقنيات الحديثة والأيدي العاملة المدربة.
واستشعار القيادة أهمية ذلك وسعيها إلى تنميته ووضعه على سلم أولوياتها، يعتبر ضمانة أكيدة لنجاح هذا التوجه، حيث يتوقع أن تشهد العلاقات بين دولة الإمارات وإندونيسيا في السنوات القليلة القادمة قفزة نوعية، ستجد لها انعكاسات إيجابية على اقتصادي البلدين، وهو ما سيساهم في فتح سوق كبيرة أمام الصادرات الإماراتية وإقامة مشاريع مشتركة لدعم اقتصادي الدولتين وتنميتهما المستدامة، مما سيعزز معدلات النمو لديهما ويؤدي إلى توثيق أواصر التعاون في المجالات السياسية والأمنية والاستراتيجية، وهو  ما يدخل ضمن نطاق هذه الزيارة العملية من خلال تعزيز أوجه التعاون والتنسيق مع الدول المحبة للسلام والاستقرار.
*مستشار وخبير اقتصادي