لم تكن موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، على استقبال القوات الأميركية ذات بعد هجومي عدائي أو تهديد إقليمي، كما يروج «صغار الأعداء»، بقدر ما هي ردع «دفاعي» للخطر الإيراني المحدق بالمنطقة، كما جاءت انطلاقاً من التعاون التاريخي المشترك بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، لرفع مستوى العمل احترازاً لحفظ أمن المنطقة واستقرارها وحفظ السلم والسلام فيها. والسعودية بهذا تسعى لاستقرار المنطقة خلافاً لإيران الساعية لتأجيج الصراعات فيها، مما يعد بمثابة إعادة للتوازنات الأمنية ودرء للمخاطر، فمنطقة الخليج بقعة وهبها الله مقدّرات عظيمة تخوّلها الاستعانة بأية قوة عظمى للعمل معاً من أجل الحفاظ على هذه المقدّرات، فضلاً عن أنها منطقة آمنة ولا يتفق مع كينونتها ومكانتها وعظمة شعوبها إلا الأمان والاستقرار والرفاهية.
ولا شك في أن إيران تحاول جر المنطقة إلى حرب استنزاف قد تطول في سعي حثيث منها لتجنب عقوبات اقتصادية جديدة ستضعف، وبلا شك، نظامها أكثر مما هو عليه، لذلك فهي تعمل على دق طبول الحرب وعلى تأجيجها، وهي بالأساس لعبتها المفضلة، كما يبدو جلياً من خلال عبثها المقصود بحركة الملاحة البحرية وحرب الناقلات الاستفزازية التي تحاول فرضها.
وكما أسلفت في مقال سابق، فإن إيران ترجح التصعيد وتفضلها كحل تعتقد أنه يدعم بقاء نظامها الحالي، وهي تعول في ذلك على ميليشياتها التي تأمل منها أن تلعب دوراً كبيراً في نشر الفوضى وتشتيت بوصلة النزاع وتعويم مكامن الخطر، فأذرعها تتواجد في عدة دول عربية، وقد تمكنت من بسط نفوذها التوسعي في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان، ولنا هنا وقفة استشرافية لما قد يحدث، وما قد تحمله مواقف بعض الدول الكبرى إزاء المنعطفات الأخيرة في الشرق الأوسط. فالصين مثلاً لديها خلافات سياسية وتجارية مع أميركا، قد تعيق أي اتفاقات عسكرية داعمة للحل العسكري ضد إيران. وروسيا لا تقل خلافاً مع أميركا والدول الغربية الأخرى حول مناطق الهيمنة الروسية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتقاسم أوروبا وأميركا غنائم هيمنتها، إضافة إلى العلاقات والمصالح المشتركة بين إيران وروسيا.
ختاماً.. هذه الحرب -إن قامت- فهي حرب استثنائية لا تقاس بمعايير الطرف المنتصر أو الآخر الخاسر، بل تقاس بإمكانية قدرتنا على حماية وجودنا، أي «أن نكون أو لا نكون»، ويكفينا منها شرفاً إمكانية شل الخصم التاريخي منذ قيام ثورة الملالي في إيران حتى يومنا هذا، وإعادته إلى مكانه الطبيعي وحجمه الحقيقي، لننهي بذلك حقبة من التحديات والمؤامرات من دعم الأصوليات المتطرفة وتكوين الميليشيات الإرهابية والعبث بعدة عواصم عربية، فضلاً عن الدور الذي لعبته إيران الخمينية أثناء «الربيع العربي»، من خلال محاولاتها تأجيج منطقة الخليج واللعب بورقة الطائفية. فأحياناً تكون المواجهة خياراً حتمياً يعلم الطرف «صاحب القرار» فيها بخطورتها، ويعلم طول مداها ومراوغة ولؤم الخصم فيها، لكنه لا يجد بداً من خوضها وتحمل تبعاتها كأهون الشرين، خصوصاً إذا كانت مواجهة وجود وبقاء، فأهلاً بالحليف الأميركي في دار الكرام التي لم تتعود إلا العزة والتمكين.

*كاتبة سعودية