تعود العلاقات بين الإمارات والصين إلى الستينيات، مما يشير إلى أن الشراكة بين الصين والإمارات ليست حديثة العهد حيث تأسست أول شراكة دبلوماسية رسمية بين بكين وأبوظبي في عام 1984، وفي السنوات الأخيرة واصلت الصين والإمارات تعزيز علاقاتهما الثنائية وهي شراكة تعتبر في غاية الأهمية لمستقبل الطرفين، فهي تعتبر أولوية استراتيجية كبرى لدولة الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص من حيث التعاون الثنائي مع الصين لتعزيز التجارة والصناعة الإقليمية، ومواصلة تطوير تقنيات الطاقة المتجدّدة لمستقبل ما بعد النفط، والمشاركة عن كثب في التعاون الفضائي، وتطوير أشكال جديدة من الاتصالات وتبادل المعلومات، وتعزيز تنوّع مجتمعاتنا لتشجيع التسامح والاستقرار، واستخدام مواقعنا الجغرافية الفريدة ونماذج التنمية لضمان نمو اقتصادي شامل في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، حيث تعتبر الإمارات بوابة الاستيراد والتصدير الأكثر أهمية في المنطقة بمرور 60% من تجارة الصين للشرق الأوسط عن طريقها، كما تعتبر محطة جوهرية على «طريق الحرير الجديد»، وهي تعلم أنه حتى يكون هنالك طريق لابدّ من وجود محطات آمنة ومستقرة على طول هذا الطريق، وإلّا ستذهب الطموحات الكبيرة سدىً، ناهيك عن أهمية التمركز الاحترازي في منطقة القرن الأفريقي وهو العامل الاستراتيجي المشترك لقوى العالم السياسية المؤثرة. وبغض النظر على الكم والحجم، بالنسبة للدول، فإن الدبلوماسية الحديثة تعتمد على الكيف في التطلعات الاستراتيجية بعيدة المدى والتحالفات المتداخلة لتحقيق الغايات العليا للأمم.
وفي هذا السياق لابد من ذكر جاذبية الخريطة الجغرافية للنفط والغاز في الشرق الأوسط وأهمية الإمارات كدولة مصدرة وموقعها الجغرافي في منطقة تعد مخزن النفط والغاز في العالم، كما أن الصين لديها عشر سنوات قبل أن ينفد المخزون النفطي لديها وعشرون سنة قبل نفاد، ما تملكه من الفحم الحجري، وذلك وفق معظم التقديرات في الدارسات المتعلقة باستخدامات مصادر الطاقة الخام في الصين.
ومن هذا المنطلق، فإن التقارب بين الإمارات والصين هو خيار حتمي ونقطة الارتكاز والانطلاقة في مبادرات إقليمية بعيدة المدى مثل: «حزام واحد» و«استراتيجية الطريق الواحد» و«البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية»، والذي أرى بأنه سيعيد تشكيل نسيج المستقبل الاقتصادي لمنطقتنا، كما ستوفّر هذه الزيارة أيضًا فرصةّ غير مسبوقة للانخراط في تبادل سياسي قوي، وتطوير مناهج استراتيجية ودبلوماسية مشتركة للقضايا التي تتطلب تفكيراً مختلفاً ورؤيةً جديدة مدعومة بنمو العلاقات العسكرية بين البلدين، ورغبة الإمارات في أن تكون من ضمن اللاعبين الكبار في سوق الابتكار التصنيعي والتكنولوجيا العسكرية، وتكنولوجيا الاتصالات والذكاء الاصطناعي والبحوث التطبيقية والمعرفة والتجارة والصناعة العالمية.
ومن جانب آخر، تحرص الإمارات والصين على توسيع التعاون الاقتصادي التجاري الذي سيصل إلى 70 مليار دولار بحلول عام 2020، وهناك أكثر من 4200 شركة صينية مقرّها الرئيسي في دولة الإمارات العربية المتحدة و356 علامة تجارية صينية، ويتوقع بأن التجارة في السلع بين البلدين ستنمو بنسبة تتراوح بين 9 و10% سنوياً حتى عام 2030، كما توجد العديد من الاستثمارات الكبرى في الدولة من قبل الشركات الصينية الحكومية والخاصة، ومثالاً على ذلك صفقة شركة «موانئ دبي العالمية» مع مجموعة مدينة «تشجيانغ» الصينية للسلع الأساسية لبناء مركز تصدير بمساحة 3 كم يسمى «سوق التجار» في ميناء جبل علي والمنطقة الحرة، كما أبرمت شركة مبادلة للتنمية (مبادلة) في سنة 2015 شراكةً مع كلٍ من شركة «الاستثمار في رأس المال» التابعة لـ «بنك التنمية» الصيني، و«الإدارة الرسمية لتبادل العملات» في الصين لإنشاء صندوق الاستثمار الإماراتي الصيني المشترك، والذي ساهم بسلسلة من المشاريع تتضمن بناء مطارات وموانئ وطرق وبنى تحتية للاتصالات، وافتتاح بنك «المقاصة» لليوان في الإمارات، حيث تعدّ الدولة سوقاً رئيسياً لليوان، وأكبر مصدر في الشرق الأوسط للدفعات المباشرة باليوان إلى الصين وهونج كونج.
ومن الأمثلة أيضاً، الشراكة بين شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» والشركة الوطنية الصينية للبترول، والتي تملك نسبة حقوق استثمارية تبلغ 8% في حقول أبوظبي النفطية البرية التي تديرها شركة أبوظبي للعمليات البترولية البرية «أدكو»، وإطلاق الصين محطة تبلغ مساحتها 60 مليون قدم مربعة على طريق الحرير الجديد في دبي في منطقة معرض «إكسبو 2020»، وهناك خطط لإنشاء «سلة خضراوات» بقيمة مليار دولار بتمويل من الصندوق الاستثماري الصيني العربي، وغيرها من المشاريع العديدة التي تؤكدّ أن العلاقات بين الصين والإمارات هي مشروع شراكة وثيقة ستتطور بصورة ملفتة للنظر في السنوات القليلة القادمة، خاصة في الجانب العسكري والمعرفي.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.