اتساقاً مع التوجه الإماراتي نحو تنويع الشراكات الاقتصادية مع عمالقة الاقتصاد العالمي، يقوم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، هذا الأسبوع، بزيارة رسمية إلى جمهورية الصين الشعبية. وتمثّل زيارة سموه خطوة هامة، تضاف إلى الجهود التي أدت إلى تسارع وتيرة التنسيق والتعاون بين الإمارات والصين. ومنذ الانطلاقة الجديدة للعلاقات الاقتصادية الاستراتيجية بين البلدين، والتي بدأت مع زيارة سابقة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، للصين منتصف ديسمبر 2015.
كما يأتي اللقاء الجديد بين قيادتي البلدين، بالتزامن مع مرور عام على استقبال الإمارات فخامة الرئيس الصيني «شي جين بينغ»، الذي قام في مثل هذا الأسبوع من العام الماضي بزيارة تاريخية إلى الإمارات، مثّلت دفعة قوية أخرى لتطوير العلاقات بين البلدين.
ومن منظور استراتيجي مستقبلي، تؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة حضورها في المشهد الدولي من بوابة الاقتصاد، وتتجه نحو الاستثمار والشراكة الطموحة مع عمالقة الاقتصاد العالمي في المشروعات طويلة الأجل والمحققة للاستدامة.
وينظر إلى الشراكة الاقتصادية الناجحة بين الإمارات والصين باعتبارها تخدم هذا التوجه. وخاصة بعد أن توثقت العلاقات الإماراتية الصينية، من خلال الارتكاز على اتفاقيات ثنائية نوعية، كانت ثمرةَ زيارات متبادلة بين قيادتي البلدين. ومن خلال الوفود الحكومية والمشاركات في المنتديات الاقتصادية المتبادلة.
ويضم رصيد العلاقات الإماراتية الصينية حتى الآن أكثر من 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تشمل مجالات متعددة، في مقدمتها مذكرتا تفاهم للتعاون في إطار الحزام الاقتصادي لطريق الحرير ومبادرة طريق الحرير البحري، واتفاقيات أخرى في مجالات الطاقة والتجارة الإلكترونية والطاقة الشمسية والزراعة والجوانب المتصلة بآليات تسويق المنتجات.
وفيما تحتضن دولة الإمارات أكثر من 4200 شركة صينية، يتواجد على أرضها 200 ألف صيني مقيم، بفضل تسهيلات استثمارية تشمل توفر تأشيرة دخول مباشرة للصينيين.
وتتويجاً للتواصل والتنسيق المستمر بين البلدين، شاركت الإمارات في منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي بالعاصمة الصينية بكين، في أبريل الماضي، ومثّل الدولةَ وفد رفيع المستوى برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
وخلال السنوات الماضية، تبادلت الوفود الرسمية الزيارات بين البلدين، وتوسعت مجالات التعاون لتشمل آفاقاً اقتصادية وثقافية وعسكرية. ويمكن تحديد أهمية العلاقات الإماراتية الصينية من الزاوية الاقتصادية، التي تشهد تطوراً ملموساً، في ظل انفتاح إماراتي على التفاعل مع التطلع الصيني لخلق فرص شراكة واسعة في إطار مشروع الحزام والطريق. بالإضافة إلى التعاون الإماراتي الصيني الذي برز من خلال ارتفاع حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين إلى 213.4 مليار درهم خلال عام 2018، مما جعل الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري للصين في العالم.
وفي سياق الثقة المتبادلة، يضع الشريك الصيني اعتباراً لمكانة الإمارات في خريطة الاستثمار العالمي، بوصفها بيئة اقتصادية جاذبة ومنفتحة على كافة أنواع الأنشطة الاقتصادية المتصلة بالسوق العالمية، وذات جاهزية مرتفعة من حيث جودة البنية التحتية.. مما يهيئ مستقبل علاقات الإمارات التجارية مع الصين للازدهار وتحقيق شروط الشراكة الفاعلة التي يتطلبها المشروع الكبير الذي أطلقته الصين تحت اسم مبادرة الحزام والطريق، لتنمية طرق جديدة للتجارة العالمية.
وعلى ضوء النمو المستمر لحجم تجارة الإمارات مع الصين، من المتوقع أن يصل حجم التبادل التجاري غير النفطي بينهما 257.6 مليار درهم بحلول عام 2020.
لقد كانت الإمارات سباقة على مستوى المنطقة إلى فتح آفاق تعاون مثمر مع الجانب الصيني، في استشراف مبكر للفرص وتنويع مصادر الاستثمار والانفتاح على ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وقبل أن يبشر الإعلام العالمي بالمارد الاقتصادي الصيني، كانت الإمارات تنظر باهتمام إلى التجربة الصينية، وتعزز علاقاتها مع الصين، وتنفتح عليها تجارياً. وإدراكاً لأهمية التنسيق والتعاون بين القطاع الخاص ممثلاً برجال الأعمال في البلدين، كان هذا الموضوع محوراً للمباحثات الرسمية الإماراتية الصينية، التي عقدت نهاية أبريل الماضي في أبوظبي، وناقشت الفرص الاستثمارية الواعدة في البلدين.
ولا شك أن العامل الأكبر في ذلك هو حكمة القيادة الإماراتية التي التقت مع حكمة القيادة الصينية، بهدف الإسهام في رسم ملامح التحول الاقتصادي على المستويين الآسيوي والعالمي.
*كاتب إماراتي