أثار تعليق مذيعة قناة «العربية» في برنامج «تفاعلكم» ردات فعل واسعة خليجية على الصعيد الرسمي والشعبي لما ذكرته لدرجة أصبح اسم المذيعة، #سارة_الدندراوي «ترند» على «تويتر». ومادام هذا التعليق أظهر التفاعل الكبير بين الإعلام التقليدي والجديد لابد من التحليل وطرح التساؤل: هل تغير الذوق العام للجمهور الخليجي؟ وهل هذا سيغير من طبيعة تغطية الإعلام الخليجي؟
لا شك أن الأحداث السياسية من أزمات وصراعات لها تأثير على ذوق الجمهور لذلك يحرص الإعلام وخاصة المرئي على تلبية رغبته من خلال المحتوى وأسلوب العرض. فقد شاهدنا ذلك في حرب الخليج عام 1991، وكان الجمهور آنذاك لا يشاهد الأخبار إلا من خلال قناة (سي. إن. إن)، وهذه كانت إحدى أهم الدوافع بإطلاق قناة (إم. بي. سي)، لتكون النسخة العربية من (سي. إن. إن)، وولع الجمهور بالتغطية الفورية السريعة في تلك الفترة دفعهم للعزوف عن القنوات المحلية التي اتسمت بالرتابة والتغطية التقليدية البطيئة، ولذلك كان إطلاق قناة (إم. بي. سي) نقطة تحول للتلفزيون العربي من المدرسة التقليدية إلى الأكثر حداثة من خلال نوعية البرامج والأسلوب. وبعد ذلك تم إطلاق عدة قنوات فضائية في العالم العربي، وكان هاجس مُلاك هذه القنوات هو جذب المشاهدين.
فقناة «الجزيرة» في قطر تأسست بمرسوم أميري قطري لإضفاء الشرعية على النظام بعد انقلاب أمير قطر عام 1995 على والده، ولكي يستقطب الجمهور العربي التقليدي الذي يرفض فكرة انقلاب ابن على والده، حاول أن يجذبه بكسر المحرمات من خلال انتقاد الحكومات العربية. لكن بعد أن اختفى ذلك الانبهار وبدأ الجمهور العربي وخاصة الخليجي يدرك مدى هدم القناة للقيم الخليجية والتي من شأنها أن تهدد الأمن القومي، أصبحت هناك الحاجة لقناة أكثر اعتدالاً وقرباً للنهج الخليجي، وتم إطلاق قناة «العربية» عام 2003.
من أهم الردود في «تويتر» على ماذكرته مذيعة «العربية»، كانت تغريدة عبدالرحمن الراشد، المدير العام السابق لقناة «العربية»، وعضو في مجلس إدارة مجموعة (إم. بي. سي)، وفيها قال: «شكراً للزميلة #سارة_الدندراوي كشفت لنا حجم النفاق هناك»، في إشارة القصد منها مواقف تيارات سياسية معينة في الكويت،  فالكلمة الأساسية هنا «كشفت» لأن كشف الحقائق هو من أهم عناصر الإعلام الناجح، لكنه يحتاج إلى جرأة في التغطية ودقة في المعلومات.
ومن هذا المنطلق تبرز لنا أهمية الموازنة بين أن لا يصبح الإعلام الخليجي تعبوياً غوغائياً كما هو الحال في قناة «الجزيرة»، وأن يكون أكثر تحرراً من القيود والخطوط الحمراء لكي لا يكون إعلاماً «تنويمياً» مملاً. فالجمهور الخليجي من خلال ردات الفعل هذه يطالب الإعلام التقليدي أن يكون أكثر تفاعلية في تصوير آرائه ومشاعره تجاه القضايا الشائكة في المنطقة، وبتأهيل خبرات وطنية مؤمنة بذلك الاتجاه.
لقد شدد سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيَّة، على أهمية التعاون بين مراكز البحوث والمؤسسات الإعلامية، وأشار إلى أنه على أتم الاستعداد لتقديم أي دعم ومساعدة في هذا المجال أثناء زيارته لموقع «24» الإخباري عام 2016. ومن أهم ما يقوم به المركز هو تنوير الرأي العام المحلي والعربي والعالمي بمختلف القضايا والأحداث الجارية في منطقتنا من خلال إعداد دراسات وبحوث.
الافتقار في مد الجسور بين مراكز البحوث العلمية والمؤسسات الإعلامية هو السبب الرئيس وراء عزوف الجمهور عن الإعلام التقليدي إلى الإعلام الجديد لأنه لا يجد في تلك البرامج المحتوى الذي يجذبه. أهم ما يجذب الجمهور هي التغطية التي تكون سباقة في «كشف الحقائق» والكوادر الإعلامية الوطنية التي تعبر عنه بصدق.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي