عرضت اليابان التدخل لتسهيل عقد مفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بهدف إنهاء أزمة خطيرة تتصاعد في منطقة الخليج العربي. وبحسب التقارير، يرغب كل من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والرئيس حسن روحاني النظر في عقد مثل هذه المفاوضات، شريطة أن توقف واشنطن جهودها الحالية لزيادة العقوبات. وألمح الرئيس دونالد ترامب إلى أنه سيجنح إلى المحادثات، لأنه لا يريد شنّ حرب بيديه مع اقتراب الانتخابات الأميركية المقبلة. لكن على الرغم من ذلك، أعلن المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، أنه لا يثق في فكرة المفاوضات ولا في ترامب.
وفي هذه الأثناء، تواصل إيران اتخاذ خطوات تنتهك عمداً شروط الاتفاق النووي الموقع في عام 2015، والمعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة». فقد وسّعت مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب، وبدأت تخصيب يورانيوم بدرجة 4.5 في المئة. وتُنذر هذه الإجراءات بانهيار الاتفاق النووي، إذ أن الأوروبيين يصرّون على مطلبهم بضرورة الالتزام بشروط الاتفاق النووي كاملة، بينما يحاولون إيجاد سبل لحل كثير من المشكلات الأخرى العالقة بين أميركا وأوروبا من جانب وإيران من جانب آخر، لاسيما القضايا الأخرى المرتبطة بسلوك إيران الخارجي وتدخلاتها الإقليمية العدوانية التي تتجاوز الاتفاق النووي.
وتلك القضايا الأخرى هي التي تنذر في الوقت الراهن، ليس فقط بانهيار الاتفاق النووي، ولكن أيضاً بإثارة أفق من المناوشات والاحتكاكات العسكرية في الخليج، والتي يمكن أن تتصاعد بسرعة وتتحول إلى مواجهة كبرى خارج التحكم.
ومن المحتمل بشكل كبير أن يحدث ذلك نتيجة حادثة ما في مياه الخليج، خصوصاً في مضيق هرمز الذي تمر عبره 20 في المئة من تدفقات النفط الخام إلى العالم. وأي تعطّل في تدفق هذا النفط سيكون له تأثير فوري على أسعار سوق النفط العالمية، إذ يتوقع البعض أن تصل الأسعار في هذه الحالة إلى 100 دولار للبرميل على الأقل.
وفي وقت يساور فيه الأسواق العالمية بعض القلق بشأن الرسوم الجمركية التجارية الأميركية، وانخفاض أسعار النفط، فإن أي ارتفاع في أسعار الخام من شأنه أن يربك الأسواق، ومن المحتمل أن يؤدي إلى ركود اقتصادي عالمي. وعلى الرغم من أن حوادث أخيرة متعلقة بحاوية نفط إيرانية وأخرى بريطانية في جبل طارق وفي مضيق هرمز لم تؤد إلى تبادل لإطلاق النار، إلا أن ذلك كان من الممكن أن يحدث في المضيق عندما حاولت قوارب تابعة لقوات الحرس الثوي الإيراني إخراج ناقلة ترفع علماً بريطانياً عن مسارها لتدخل المياه الإقليمية الإيرانية. وحال دون التصعيد جرّاء هذه الحادثة وجود فرقاطة تابعة للبحرية الملكية البريطانية.
من جانبه، دأب ترامب على شجب اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة، وربما يرجع هذا إلى أن ذلك الاتفاق كان من النقاط الرئيسية في السياسة الخارجية للرئيس السابق باراك أوباما تجاه الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من ذلك، يدرك ترامب تمام الإدراك أن أي حرب مع إيران خلال الأشهر المقبلة ستوصف بأنها «حرب ترامب». وفي ضوء انتقاد ترامب القوي للحرب على العراق في عام 2003، الحرب التي شنتها إدارة الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن، وكذلك بالنظر إلى وعود ترامب الكثيرة بإنهاء التواجد العسكري الأميركي في كل من العراق وسوريا وأفغانستان.. فلابد أن يجد سيد البيت الأبيض إلى تحجيم «صقور» مستشاريه سبيلاً، لاسيما وزير الخارجية «مايك بومبيو» ومستشار الأمن القومي «جون بولتون».
غير أن كلاهما حض على اتخاذ إجراءات شديدة الصرامة لحمل طهران على الجلوس إلى الطاولة من أجل عقد مجموعة جديدة من المفاوضات. ولا يتصور أحد أن إيران ستقبل ذلك الاجتماع. لكن في ضوء التشجيع القوي من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد يجد ترامب نفسه مضطراً إلى استخدام القوة ضد إيران ودفع الولايات المتحدة إلى حرب لا يمكن لأحد توقع نتائجها على وجه الدقة. وقد كانت تلك المعضلة التي وجد فيها الرئيس بوش الابن نفسه. ويعتقد معظم المراقبين اليوم أن الحرب على العراق كانت كارثة للولايات المتحدة من حيث الخسائر البشرية والمالية ومن حيث التأثير الذي لحق بهيبتها العالمية.
وقد تكون مواجهة عسكرية قصيرة الأجل مع إيران، تعقبها بعض الأعمال الإيرانية الطائشة ضد مصالح أميركية مألوفة على المدى القصير، لكن في ظل الاستراتيجية الإيرانية الرامية إلى الاستفادة من حرب غير متناظرة، لا يمكن لترامب الاعتماد على انتصار سريع. ومن الممكن أن تتضرر حظوظه في الانتخابات المقبلة بشدة إذا انخرطت بلاده مرة أخرى في حرب شرق أوسطية بحلول نوفمبر المقبل.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست» -واشنطن