لم يعلن أحد انتهاء فاعلية الاتفاقات الروسية التركية حول خفض التصعيد وصولاً إلى وقف إطلاق النار، وإيجاد حلول غير دموية في الشمال السوري، لكن ما يحدث على الأرض تحول إلى مستنقع دماء، حيث لم يتوقف الطيران الروسي عن القصف، ولم يتوقف النظام وخلفه جيوش الميليشيات الإيرانية من الزحف على المناطق الخارجة عن سيطرته.
والمفجع أن النظام الذي لم يقدم أية رؤية للحل السياسي منذ ثماني سنوات، يزج بآلاف الشباب الذين يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية في معارك جانبية لم تحقق انتصاراً له، ولم تهزم أعداءه الذين يقدرون بالملايين، لكنها معارك يقتل فيها السوريون على ضفتي النظام والمعارضة بين ما يحدث من كر وفر.
روسيا تتهم الولايات المتحدة بدعم المعارضة بما فيها «جبهة النصرة»، وهي تعلم أن الأميركان لم يقدموا رؤيتهم الخاصة لحل القضية السورية سوى ما اتفق عليه ترامب وبوتين حول (لجنة دستورية وانتخابات) لكنهم يتابعون مجريات الصراع في موقف يبدو غامضاً أحياناً، ومتخلياً أحياناً أخرى، والجميع يتنظرون الموقف الحاسم الذي لم يظهر بعد، والروس الذين يريدون نهاية لتورطهم في المشهد السوري باتوا عاجزين عن وضع نهاية للحرب التي خاضوها للدفاع عن نظام الأسد، وهم لابد يدركون أن ما حققوه من أهداف اقتصادية أو سياسية لا يستحق أن يسفك من أجله كل هذه الدماء.
انكشف زيف مسرحية «داعش» وأخواتها، وأدركت البشرية أن هذه التنظيمات الإرهابية كانت إحدى الوسائل لتشويه الثورة السورية، والشعب السوري منها براء، ومع عودة الآلاف من الإرهابيين إلى بلدانهم لم يبق من «داعش» سوى الجيوب التي يتم الاحتفاظ بها النظام لحين الحاجة ولأداء مهمات كما فعل في ريف السويداء.
أما الأوربيون فقد ضعف حضورهم في تفاصيل القضية السورية، فقد تاهت بعض الدول في متاهات الموقف الأميركي، وتجنب بعضها تصعيد الصراع مع روسيا، لكنها ما تزال ترتبط بالقاطرة الأميركية الضخمة حتى على غير قناعة تامة كما يحدث في الموقف من إيران التي تصعد التحدي وتصر على متابعة عدوانها على العرب، وتهدد العالم كله بسيطرتها على المنافذ البحرية في الخليج وفي باب المندب، وتعتدي على السفن وعلى طرق التجارة البحرية غير مهتمة بالتصريحات النارية ضدها حيناً، والداعية للتصالح معها حيناً آخر.
وغالبية السوريين يتهمون إسرائيل بأنها تلعب دور المخرج الذي يدير المسرحية من غرفة كونترول لا يراها الممثلون ولا المتفرجون، كما أن الصراع السُني- الشيعي الذي حل محل الصراع العربي- الإسرائيلي، جعل القضية الفلسطينية ثانوية أمام ما يحدث في سوريا واليمن وليبيا، وفي كل المناطق المحترقة، لكن إسرائيل لم تستطع أن تلعب دوراً سياسياً دولياً يواكب ما تدعيه من كونها دولة مهمة في المنطقة، وعلى الرغم من كونها تقصف مواقع إيرانية داخل سوريا، إلا أنها لم تقنع السوريين بأنها ضد إيران حقاً، فهي تطالب بإبعاد إيران عن الجنوب أربعين أو ثمانين كيلومتراً، لكنها تسمح لـ «حزب الله» أن يبني معسكراته جوارها.
والأحداث الراهنة تشير إلى تصعيد أكبر للعنف في إدلب وفي الشمال الغربي، حيث أخفقت المساعي التركية السياسية، كما أخفقت روسيا في تكرار سيناريو حوران في إدلب، ولاسيما أنه حقق فشلاً ذريعاً في الجنوب.
*وزير الثقافة السوري السابق