في بداية استخدامه، كان مصطلح «نمط» أو «أسلوب الحياة» يشير فقط إلى توصيف الطريقة أو الأسلوب الذي يحيا بها إنسان ما حياته. ولكن منذ بداية ستينات القرن الماضي، حمل هذا المصطلح معنى أوسع وأشمل، بحيث أصبح حالياً يشير إلى حزمة من السلوكيات، والأفكار المرتبطة بالذات والانتماء، وما تمثله السلوكيات الشخصية في هذه المنظومة الإدراكية العامة. وعلى رغم أن هذا المصطلح أو المفهوم يحمل مغزى ودلالات خاصة في مجالات مختلفة، مثل مجال التسويق، والأنماط الاستهلاكية، والسياسة، وسبل الترفيه، وغيرها، إلا أن علاقته بالصحة والمرض أصبحت تحتل مكانة خاصة على صعيد احتمالات الإصابة بالأمراض المختلفة، سواء كانت مُعدية أو غير معدية.
هذه الأهمية لأسلوب الحياة، أصبحت مؤخراً ترتبط بأحد أكثر الأمراض غير المعدية انتشاراً، وبالتحديد ما يعرف بعَتَه الشيخوخة، وذلك على حسب دراسة عرضت نتائجها الأسبوع الماضي، ضمن المؤتمر الدولي لجمعية الزهايمر، وأجراها علماء جامعة «إكستر» البريطانية، وشملت حوالي 200 ألف شخص. وخلصت هذه الدراسة، إلى أن التغيرات الإيجابية في نمط أو أسلوب الحياة، يمكنه خفض احتمالات الإصابة بعَتَه الشيخوخة بمقدار الثلث، وإن الجميع دون استثناء يمكنهم خفض احتمالات إصابتهم، وتقليل خطر تعرضهم لعَتَه الشيخوخة، حتى لو كان لديهم استعداد وراثي وتاريخ عائلي سابق من الإصابة.
وبوجه عام، يستخدم مصطلح العَتَه أو الخَرَفُ (Dementia) كمظلة واسعة، يندرج تحتها عدد من الأمراض التي تؤثر على الذاكرة، والسلوك، وغيرهما من القدرات الذهنية، بدرجة تعيق المصاب عن القدرة على القيام بالنشاطات اليومية المعتادة. ورغم أن التقدم في العمر يعتبر من أهم عوامل الخطر للإصابة بالخَرَفُ، فإن الخَرَفُ لا يعتبر مساراً طبيعياً للشيخوخة، بمعنى أن التقدم في العمر لا يؤدي بالضرورة للإصابة بالخَرَفُ. ويعتبر مرض الزهايمر أكثر أنواع الخَرَفُ انتشاراً، وبنسبة ما بين 60 إلى 70 في المئة من إجمالي الحالات، إلا أنه ليس بالمرض الوحيد المندرج تحت منظومة العَتَه أو الخَرَفُ.
وللأسف، شهدت العقود القليلة الماضية زيادة هائلة في معدلات الإصابة، لدرجة أن البيانات والإحصاءات تظهر وقوع إصابة بعته الشيخوخة كل ثلاث ثوانٍ، ليصل عدد المصابين بتلك الحالة - التي لا علاج لها حالياً - إلى 50 مليون مصاب في عام 2017، مع التوقع بتضاعف هذا العدد ليصل إلى 75 مليون بنهاية العقد القادم، وإلى أكثر من 130 مليون بحلول عام 2050. ومثلها مثل باقي الأمراض المزمنة غير المعدية، سيقع الجزء الأكبر من هذه الزيادة في الإصابات في الدول النامية، والتي يوجد بها حالياً 58 في المئة من الحالات.
وبخلاف، أن عَتَه الشيخوخة يصنف ضمن الأسباب الرئيسية للإعاقة بين كبار السن ولاضطرارهم للاعتماد على الآخرين في حياتهم اليومية، أصبح أيضاً من أهم أسباب الوفيات على المستوى الدولي. حيث تُظهر إحصائيات منظمة الصحة الدولية تضاعفاً في عدد الوفيات الناتجة عن خَرَف الشيخوخة، لتحتل المركز الخامس على قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري. وفي بعض الدول، وخصوصاً الغنية والصناعية، يحتل حالياً خَرَف الشيخوخة المرتبة الأولى على قائمة أسباب الوفيات. ولذا يحمل الخَرَفُ في طياته ثمناً فادحاً، ليس فقط على الصعيد البدني، والنفسي، والاجتماعي، وإنما أيضاً على الصعيد الاقتصادي، على المصابين، وعلى من يتولون رعايتهم من الأهل والعائلة، ومن ثم على المجتمع برمته. وتقدر المنظمات الدولية أن تكلفة توفير الرعاية للمصابين بعته الشيخوخة حول العالم، تزيد حالياً عن تريليون دولار، أو ما يعادل تقريباً 4 آلاف مليار درهم.
وعلى حسب الدراسة سابقة الذكر، يمكن خفض احتمالات الإصابة بهذا المرض بدرجة ملحوظة، إذا ما اتبع الشخص نمط أو أسلوب حياة صحي. وكمثال على هذا النمط، هو الشخص الذي لا يدخن حالياً، ويمارس ركوب الدراجات الهوائية، ساعتين ونصف على الأقل في الأسبوع، ويتناول غذاءً صحياً متوازناً يحتوي على ثلاثة (أجزاء) من الخضروات والفواكه يومياً، مع تناوله للأسماك مرتين في الأسبوع، وكونه نادراً ما يتناول اللحوم المصنعة، كما أنه لا يشرب الكحوليات. وعلى النقيض من ذلك، يضرب مثلاً بشخص لا يحيا حياة تتصف بنمط أو أسلوب صحي، بأنه شخص يدخن، ولا يمارس الرياضة والنشاط البدني بشكل منتظم، ولا يحتوي غذاؤه على ثلاثة (أجزاء) من الخضروات والفواكه يومياً، ويتناول جزأين أو أكثر من اللحوم المصنعة، ومن اللحوم الحمراء أسبوعياً، كما أنه يتناول الكحوليات، حتى ولو كان ذلك بشكل معتدل.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية