منذ نهايات أبريل الماضي، شنت قوات الرئيس السوري بشار الأسد هجوماً برياً وجوياً على محافظة إدلب، آخر ملاذ مهم في البلاد لعدد من الجماعات الإسلامية والمتمردة. لكن حملة النظام السوري المدعوم من الكرملين توقفت فيما يبدو الأسبوع الماضي. ويُعتقد أن القصف المتواصل في إدلب وأجزاء من محافظة حماة المجاورة على مدار أكثر من شهرين، أودى بحياة مئات الأشخاص، كما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف الآخرين.
وفي الأيام القليلة الماضية، أعلنت جماعات لحقوق الإنسان أن 22 شخصاً على الأقل قتلوا في غارات جوية روسية وسورية. وأعلنت المعارضة أن قوات حكومة الأسد استهدفت عدداً كبيراً من المستشفيات ومنازل المدنيين، كما حدث في عمليات حصار سابقة لمعاقل أخرى للمتمردين. وجدد العنف المتواصل المخاوف من خروج كارثي آخر للاجئين في وقت يفر فيه سكان المحافظة التي يقطنها ثلاثة ملايين فرار اليائسين إلى تركيا أو مناطق أخرى من البلاد التي تمزقها الحرب. وأعلن بيان برعاية الأمم المتحدة، صادر عن منظمات مساعدات إنسانية بارزة، نهاية الشهر الماضي أنه «قُتل بالفعل الكثير جداً. إدلب على حافة كابوس مساعدات إنسانية يختلف عن أي شيء آخر شهدناه خلال هذا القرن».
لكن إذا كان العالم يراقب، فهو لا يفعل الكثير. فقد توقفت فيما يبدو عملية دبلوماسية طويلة الأمد دشنتها الأمم المتحدة في جنيف، ودعمتها واشنطن للعثور على حل سياسي للصراع السوري. وهناك مجموعة مختلفة من المحادثات تشارك فيها روسيا وتركيا وإيران ستُستأنف بداية أغسطس القادم، لكن هذه أيضاً تقلل فيما يبدو من شأن التعقيد الجيوسياسي الذي يشل حركة احتمالات السلام في سوريا.
فتركيا تدعم عدداً من الفصائل المتمردة تريد روسيا تفكيكها في إدلب. والبلدان حاولا التوصل إلى هدنة غير سهلة في المحافظة العام الماضي، لكن وقف إطلاق النار انهار في أبريل الماضي. ولا يريد أي من الجانبين تصعيداً شاملاً، لكنهما غير راضيين عن بقاء الحال الراهنة. ورغم الخلافات بينهما بشأن سوريا والمستقبل المحتمل لحكم الأسد، تقاربت تركيا وروسيا على جبهات أخرى. فقد تلقت تركيا في الأيام القليلة الماضية مكونات نظام الدفاع الصاروخي الروسي «إس-400» في صفقة أثارت غضب حلفاء تركيا في «الناتو»، خاصة الولايات المتحدة.
وهناك تكهنات تشير إلى أن تركيا ربما تتأهب أيضاً لشن هجوم جديد في شمال شرق سوريا تستهدف به ميليشيات كردية سورية مدعومة من الولايات المتحدة، وكانت تتزعم القتال ضد «داعش». وهذا الاحتمال ربما ترحب به روسيا لأنه من المحتمل أن يدفع الأكراد السوريين إلى التقارب مع النظام الحاكم في دمشق، بينما يقوض في الوقت نفسه المصالح الأميركية، لكن مثل هذا التحرك ينطوي على مخاطر كبيرة لأنقرة تتضمن تدمير علاقتها المهترئة بالفعل مع واشنطن، وإثارة الرأي العام ضدها في الداخل.
وكتب اليكسي خلبنيكوف، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في المجلس الروسي للعلاقات الدولية: «رغم أن القوات العسكرية للبلدين تعملان حالياً على قضية إدلب وتناقشان العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا، فلا أحد على استعداد لاتخاذ قرار حاسم من جانب واحد لتحطيم الوضع القائم. والأسئلة المحورية الآن هي: إلى متى سيصمد صبر روسيا في إدلب؟ وإلى أي حد تستطيع تركيا معارضة المصالح الأميركية في سوريا؟ وما خطة واشنطن السياسية لسوريا؟».
والسؤال الأخير ربما لن يجد إجابة. فقد عبر الرئيس دونالد ترامب عن رضاه بهزيمة «داعش»، وأشار إلى عدم اهتمامه بحسم الصراع في سوريا. وأصر البيت الأبيض على أن تسحب إيران قواتها بالوكالة من سوريا كشرط مسبق لإجراء محادثات محتملة مع طهران.
وأشار تشارلز ليستر، الباحث البارز في معهد الشرق الأوسط، إلى أن إيران لم تلتزم بنشر قواتها بالوكالة تحديداً في معركة إدلب، وهو قرار ساعد في توضيح ضعف الأسد النسبي دون حلفائه. ويرى ليستر أن إعلان الأسد الانتصار النهائي في إدلب سابق لأوانه. وكتب ليستر يقول: «لا دليل أفضل من الأحداث الأخيرة في محافظة إدلب على أن النظام السوري يفتقر إلى القوة البشرية اللازمة لاستعادة السيطرة على المحافظة وللاحتفاظ ببقية البلاد».
ويرى سام هيلر من «مجموعة الأزمات الدولية» أن عدم قدرة الجيش السوري حتى الآن على تحقيق مزيد من التقدم «لا يعني أنه لا يمكن أن يحقق في نهاية المطاف انتصاراً على امتداد البلاد، بل يُظهر أن انتصاره العسكري مرهون بسياسة أكبر من سوريا».
*صحفي متخصص في الشؤون الخارجية
يُنشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»