منذ اندلاع الأزمة في اليمن بعد ما يسمى «الربيع العربي»، سعت الدول الخليجية من خلال «المبادرة الخليجية» لدعم المسار السياسي في اليمن، لكن نتيجة لتعثر العملية الانتقالية واستيلاء المليشيات الحوثية على السلطة في صنعاء والانقلاب على المسار السياسي، كان الدعم العسكري من جانب التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ومشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة، لمساندة الحكومة الشرعية اليمنية، ضرورة تقتضيها متطلبات الأمن القومي العربي وتتسق مع القرارات الدولية.
لقد التزمت الإمارات، وهي الشريك الأساسي في التحالف الذي تقوده السعودية، طوال السنوات الماضية بالعمل على دعم ثلاث محاور، الأول دعم الشرعية لتحرير التراب اليمني، والثاني إعادة إعمار المناطق المحررة، والثالث تقديم المساعدات للشعب اليمني. وجاء قرار دولة الإمارات بإعادة انتشار قواتها في محافظتي مأرب والحديدة تغييراً تكتيكياً، ولأسباب استراتيجية، كما أعلن مصدر مسؤول الأسبوع الماضي، مؤكداً التزام الإمارات بالأهداف الأساسية لوجودها ضمن التحالف العربي في اليمن، وهي، دعم الشرعية، وعودة الدولة، إضافة إلى تنفيذ المسار السياسي للوصول إلى حل سلمي.
لكن وضوح التصريحات الإماراتية لم يمنع وسائل الإعلام الحوثية المدعومة من إيران والأقلام المأجورة من فبركة الأخبار وإخضاعها للتأويلات وتشويه الحقائق في إطار الحملات الإعلامية المعادية.
إن أي رؤية تحليلية استراتيجية، لابد أن تأخذ في اعتبارها الوسائل والغايات، فالأولى توضح أسباب ما يجري على سطح الأحداث، والثانية تعمق المفهوم والإطار الاستراتيجي للتحرك. ومن المعروف أن مصطلح إعادة الانتشار في القواميس العسكرية يعني إعادة تموضع القوات لتحقيق هدف معين بناءً على معطيات استراتيجية أو تكتيكية أو تحديات ميدانية أو أمنية، وقد تكون عملية إعادة الانتشار من إقليم إلى آخر، وفي أحيان أخرى تتم داخل الإقليم نفسه، وقد تكون جزءاً من استراتيجية عسكرية جديدة ترمي إلى تحقيق أهداف مختلفة عما سبقها.
ثم إن اتفاق ستوكهولم، المعروف باتفاق الحديدة، شكل منعطفاً أساسياً في الملف اليمني، إذ اتفق ممثلو الحكومة اليمنية وممثلي مليشيات الحوثي في العاصمة السويدية خلال محادثات رعتها الأمم المتحدة في ديسمبر 2018، على ثلاثة محاور أساسية: «اتفاق حول مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى»، و«آلية تنفيذية حول تفعيل اتفاقية تبادل الأسرى»، و«إعلان تفاهمات حول تعز». لكن أهمّ ما جاء في الاتفاق هو موافقة الطرفين على وقف إطلاق النار في المناطق المذكورة في الاتفاق فور توقيعه، وسحب قواتهما منها. والتعهد بعدم استقدام أي تعزيزات عسكرية وإزالة جميع المظاهر العسكرية المسلحة منها. وبهذا تأتي الخطوة الإماراتية متوافقة كذلك مع اتفاق ستوكهولم.
ويتزامن كل ذلك مع جهود الإمارات الإنسانية المستمرة في عادة إعمار المحافظات اليمنية المحررة وتقديم المساعدات للشعب اليمني، فقد احتلت الإمارات المركز الأول عالمياً، كأكبر دولة مانحة للمساعدات للشعب اليمني في عام 2019 من خلال دعم خطة الأمم المتحدة الإنسانية في اليمن. وجاء في تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» أن المساعدات الإماراتية المقدمة إلى اليمن بين عامي 2015 و2019 بلغت 20.53 مليار درهم إماراتي (5.59 مليار دولار)، مثلت المساعدات الإنسانية منها ما نسبته 34% بقيمة قدرها 6.93 مليار درهم (1.89 مليار دولار). بينما استحوذت المساعدات التنموية وإعادة التأهيل ومشاريع دعم إعادة الاستقرار على نسبة 66%، بمبلغ 13.60 مليار درهم (3.70 مليار دولار).
إن التزامات دولة الإمارات تجاه التحالف والشرعية لم تتغير في جوهرها، والتنسيق الإماراتي السعودي قائم ومستمر، وكسر حالة الجمود السياسي يتطلب جهوداً يمنية مشتركة لدعم المسار السياسي. فالحل السياسي في اليمن هو الهدف الأول والأخير.
*كاتبة إماراتية