على مدار عامين تقريباً، دأبت الولايات المتحدة على تحذير الحكومة التركية من شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي. وأوضحت واشنطن أنه في حالة حدوث ذلك، فلن يكون أمامها خيار سوى فرض عقوبات يمكن أن تُقوّض الاقتصاد التركي، وتقيّد دور أنقرة في حلف شمال الأطلسي «الناتو» وتضر التحالف الأميركي التركي إلى الأبد. وخلال الأسبوع الجاري، تحدّت تركيا التهديد الأميركي، واستلمت النظام الدفاعي الروسي. لكن المشكلة بالنسبة لتركيا هي أن إدارة ترامب لن تتوقف عند مجرد التهديد!
فقرار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالمضي قدماً في شراء نظام الدفاع الصاروخي ««إس 400»، في تحدٍ مباشر للكونجرس والإدارة الأميركية، لا يتعلق بأميركا وتركيا فحسب، ولكن من خلال تجرؤه على اختبار تطبيق إدارة ترامب قانوناً يسمح بمعاقبة أية دولة تنفذ صفقات مع قطاع الدفاع الروسي، فإن أردوغان يهاجم مصداقية سياسة العقوبات الأميركية في أرجاء العالم.
ولهذا السبب، لن تغض إدارة ترامب الطرف عن تركيا. وأخبرني عدد من المسؤولين أن الإدارة بصدد إعداد حزمة عقوبات قوية لفرضها قريباً على تركيا بعد تأكيد استلام نظام الدفاع الصاروخي«إس 400». وعندئذ لا يلومن أردوغان إلا نفسه، فقد تم تحذيره!
وأوضحت ممثلة الولايات المتحدة لدى «الناتو» «كاي بيلي هتشيسون»: «لقد قلنا في مناسبات كثيرة إنه ستكون هناك عواقب غير جيدة بالنسبة لتركيا، ولن تكون جيدة بالنسبة للولايات المتحدة، لكنها ستكون ضرورية، ولن يكون أمامنا اختيار».
وإضافة إلى عقوبات قاسية منصوص عليها بموجب قانون عام 2017 بشأن مواجهة خصوم أميركا من خلال العقوبات «كاتسا»، والذي سيؤثر على جوانب كثيرة من الاقتصاد التركي، ستواجه تركيا أيضاً انفصالاً كاملاً عن برنامج المقاتلة الهجومية المشترك «F-35».
ويبدو القرار بشأن مقاتلات «F-35» واضحاً، لأنه لا يمكن للمقاتلة الأميركية أن تتقاسم المجال الجغرافي ذاته مع نظام روسي مصمم لاكتشافها. وقالت «هتشيسون»: «يمكنك امتلاك نظام «إس 400» أو F-35، لكن لا يمكن امتلاك كليهما».
وهناك سلسلة من الإجراءات العقابية التي يمكن للإدارة الأميركية تطبيقها؛ إذ ينص القانون على قطع علاقات المؤسسات المالية الأميركية بالكيانات التركية، ومنع إصدار تأشيرات للمسؤولين والمديرين التنفيذيين وتجميد أصولهم في الولايات المتحدة، ومنع تركيا من الحصول على قروض من المؤسسات الدولية. وعلى رغم من عدم اتخاذ قرارات نهائية بعد، لكن مسؤولين أميركيين أكدوا لي أن رد الإدارة سيكون قاسياً.
ويتأهب الكونجرس أيضاً بحزمة واسعة من العقوبات الصارمة على تركيا. ففي يونيو الماضي، مرر مجلس النواب بالإجماع قراراً يدعو إدارة ترامب لتفعيل عقوبات قاسية على أنقرة، إذا لم يعدل أردوغان عن قرار شراء منظومة «إس 400».
وأفاد «روبرت مينينديز» السيناتور «الديمقراطي» وعضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بأن القانون واضح لا لبس فيه، ومثلما حذّرنا مراراً وتكراراً، فإن هذه العقوبات ستكون لها عواقب مدمرة على اقتصاد تركيا وقطاعها الدفاعي.
وأُبلغت هذه الرسالة في عدد من المناسبات على مستويات رفيعة المستوى بين الحكومتين، بحسب المسؤولين. وعلى رغم من ذلك، أضعف الرئيس ترامب هذه الرسالة عندما التقى أردوغان على هامش قمة مجموعة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية الشهر الماضي. ونحى ترامب باللائمة على إدارة أوباما لأنها لم تعرض بيع منظومة صواريخ باتريوت على تركيا. لكن على أية حال، لا يبدو أردوغان مهتماً. وفي مؤتمر صحفي لاحق، قال ترامب: «إنها صفقة معقدة، ونعمل عليها، وسنرى ما يمكننا فعله».
وعلى رغم من أن أردوغان زعم أن ترامب منحه تطمينات بأن الحكومة الأميركية ستجد طريقة لتفادي فرض عقوبات على تركيا، فإن مسؤولين أخبروني أن الإدارة لن تحاول حتى فعل ذلك.
وقال المسؤولون إن فرض العقوبات على تركيا لم يعد بشأن أردوغان أو الناتو أو حتى روسيا، فقد استخدمت الإدارة العقوبات أحادية الجانب بقوة كأداة رئيسية لحمل الدول الأخرى على تغيير سلوكياتها. ويعتقد فريق ترامب أن القوة الاقتصادية الأميركية لا تزال مهيمنة بما يكفي لتمكين واشنطن من فرض وجهة نظرها. غير أن منتقدي هذه السياسة يقولون إن الإفراط في استخدام العقوبات يمكن أن يُعجّل اليوم الذي تُصبح فيه غير فعّالة.
وفي الوقت الراهن، يبدو أن أردوغان قرر أن علاقاته مع روسيا أكثر أهمية من علاقاته مع أميركا. وعندما يتضرر الاقتصاد التركي من جراء العقوبات، فعندئذ سيشعر شعبه ببعض الألم. وقد يساعدهم ذلك في معرفة أنهم بحاجة إلى قادة يدركون أن أمن وازدهار تركيا في المستقبل يكمنان في علاقاتها مع الغرب وليس مع موسكو.
*كاتب متخصص في الشؤون الخارجية والأمن القومي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»