ليست ظاهرة السرقات العلمية جديدة، وهي موجودة في العديد من دول العالم، لكن انتشارها في بعض دول المنطقة، خلال السنوات الأخيرة، قد جعل الكثير من الأكاديميين، وصنَّاع الرأي، والمؤسسات العلمية والبحثية، وبعض الجهات المهتمة، تدق ناقوس الخطر، محذِّرة من التداعيات الخطيرة لهذه المسألة على مستقبل الأجيال، فضلاً عن تأثيرها على المجتمع كله.
وبغضِّ النظر عن الأسباب، التي أدت إلى انتشار السرقات العلمية في منطقة الخليج، خلال السنوات الأخيرة، فإن مظاهرها ونتائجها السلبية، قد باتت تتطلب تكاتف الكثير من الجهود والمبادرات لمواجهتها، بغرض حماية مصداقية المخرجات الأكاديمية، وصيانة البحوث العلمية من التزييف، ونسبة المنتج العلمي والجهد الفكري إلى أصحابه، فبتتبُّع حالات السرقات العلمية المنتشرة اليوم في المجتمع يمكننا بسهولة رصد مظاهرها المتعددة، من خلال ارتفاع مستوى الجهل في صفوف حملة الشهادات العليا، وقلة مردوديتهم العلمية، وعجزهم عن تقديم أي منتج فكري، وهو ما ينعكس بشكل سلبي على قيم التحصيل لدى أفراد المجتمع، ويشجع الكثيرين على الكسل والتقاعس عن التنافس من أجل التعلُّم، فيما يتحول معظم الأفراد إلى مستهلكين للمعرفة من دون بذل أي جهد من أجل تطويرها، أو إعادة إنتاجها وفق أسس علمية ومنطق عقلي.
ورغم انتشار السرقات العلمية في الأوساط الأكاديمية بشكل أكبر، خاصة في مراحل إعداد بحوث نَيل الدرجات العلمية كالماجستير والدكتوراه، فإن هذه الظاهرة لم تسلم منها بعض المؤسسات الأكاديمية والبحثية، سواء تعلق الأمر بمراكز الدراسات والبحوث المستقلة، أو المؤسسات البحثية التابعة للجهات الرسمية، فيما بات بعض الكتاب والباحثين المستقلين منخرطين في هذه العملية على نطاق واسع.
وقد ساعد على انتشار هذه الظاهرة – خاصة خلال السنوات الأخيرة- الانتشار الواسع للمكاتب المتخصصة بكتابة أطروحات علمية، نيابة عن الأفراد مقابل مبالغ مالية يتم تحديدها سلفاً، أو الاتفاق عليها لاحقاً، فيما قد يعتمد بعض الناس على الآخرين في كتابة بحوثهم العلمية، أو كتبهم الفكرية، مقابل المال.
كما بات العديد من الطلاب «الباحثين» يستسهلون الاقتباس من الآخرين من دون توثيق، والنقل من إنتاجهم العلمي، لدرجة تصل إلى حدِّ السطو على فصول كاملة من أعمالهم، وهو ما قد يصل في بعض الأحيان إلى سرقة العمل بأكمله. وهذا بالطبع جريمة أخلاقية قبل أن يكون جريمة قانونية، وعملاً وضيعاً، ويقلل من شأن صاحبه بدل أن يرفعه، ولذا فإن الكشف المتواتر عن مثل هذه المسائل قد أظهر العديد من الفضائح في أوساط الجامعات، ومراكز البحوث العلمية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو وسائل الإعلام التقليدية في العديد من الأقطار العربية.
ونظراً إلى إدراك بعض الحكومات خطورة استفحال ظاهرة السرقات العلمية، فقد عمدت إلى وضع ضوابط وإجراءات صارمة للتعامل مع الشهادات الأكاديمية المتحصَّل عليها خارج الدولة، كفرض نظام «معادلة الشهادة»، وتحديد شروط إضافية للتأكد من خضوع حاملها لمعايير البحث الأكاديمي، كالحضور المنتظم للأنشطة العلمية، ونشر المقالات العلمية المتخصصة، والدراسة بانتظام خلال سنوات التحصيل الجامعي، إضافة إلى شروط أخرى، كما هي الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتتبنَّى حكومة الإمارات سياسة صارمة ضد هذه الظاهرة الخطيرة، وتتخذ إجراءات قوية لمحاربة السرقات العلمية، وحماية الملكية الفكرية، حيث تم وضع حد للعديد من حالات تزوير الشهادات والسرقات العلمية والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، ما مكَّن الإمارات من الحفاظ على ترتيبها الثاني والثلاثين عالمياً في مؤشر حماية حقوق الملكية الفكرية العالمي للعام الجاري 2019، الصادر عن مركز حماية حقوق الملكية الفكرية التابع لغرفة التجارة الأميركية. ويغطي المؤشر المذكور ثماني فئات لحماية الملكية الفكرية هي: براءات الاختراع، وحقوق التأليف والنشر، والعلامات التجارية، والأسرار التجارية، وتسويق أصول الملكية الفكرية، والإنفاذ، وكفاءة النظام، والعضوية، وتصديق المعاهدات الدولية.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية