الرئيس دونالد ترامب ليس أقل السياسيين شعبية في أميركا، وكذلك نانسي بيلوسي، بل أقلهم شعبية هو ميتش مكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ. ومن المقرر أن يخوض مكونيل سباق إعادة انتخابه العام المقبل. وأمامه منافس قوي محتمل يتمثل في آمي مكجراث التي أعلنت ترشيحها في الأيام القليلة الماضية. ومكجراث مرشحة لها جاذبيتها، لكن أمامها معركة صعبة تكشف بطرائق مختلفة البيئة الحزبية الاستقطابية التي نعيشها. وفيما يلي بعض انتقادات مكجراث لمكونيل في المقطع المصور الذي أعلنت فيه ترشيحها:
«كل شيء خطأ في واشنطن كان لابد أن يبدأ في مكان ما. كيف وصل الأمر إلى هذا؟ حتى داخل أسرنا لا يمكننا أن نتحدث مع بعضنا بعضاً عن زعماء بلادنا دون ظهور الغضب واللوم؟ لقد بدأ هذا مع الرجل الذي انتخب منذ فترة طويلة والذي حول واشنطن شيئاً فشيئاً وعاماً بعد عام إلى شيء نحتقره جميعاً. فقد أصبح الخلل الوظيفي والفوضى أسلحة سياسية. وأصبحت الميزانيات والرعاية الصحية والمحكمة العليا رهينة. وأصبحت واشنطن مكاناً تسير فيه المثل إلى حتفها».
ولا يروقني عادة انتقاد واشنطن في الحملات الانتخابية، وهذا يرجع في جانب كبير منه إلى أن الانتقاد يأتي مصحوباً برسالة يشبه فحواها عادة التالي: (أنا لست سياسياً، وسأجد حلولاً بدهية لمشكلاتنا ولإنجاز الأمور). فلم يصح هذا قط لأن المرشح لن يغير واشنطن والمشكلة ليست عدم القدرة على (إنجاز الأمور)».
ولعل مكجراث كانت على حق. فهناك شخصان مسؤولان أكثر من أي أحد آخر عن جعل الكونجرس بالصورة التي يبدو عليها اليوم. وهذان الشخصان هما، نيوت جينجريتش الذي جعل السياسة أكثر مكراً عما كانت عليه من قبل، وميتش مكونيل الذي أدرك أنه في السعي للحصول على السلطة يمكن انتهاك أي أعراف وكسر أي قاعدة ويمكن تسويغ أي حيلة، إذا تجرد المرء من الحياء بالقدر الكافي لفعل كل هذا. وإذا فاز المرء بالسلطة، فإنه لن يدفع ثمناً لما اقترفه في طريق وصولة للسلطة.
وكثيراً ما تحدث مكجراث، وهي قائدة طائرة حربية سابقة ولفتنانت كولونيل متقاعدة من قوات مشاة البحرية الأميركية، عن خدمتها في الجيش. وهذا يرجع في جانب منه إلى أنها صنعت مشوارها المهني في الخدمة العسكرية، وفي جانب آخر، لأنها لم تشغل منصباً بالانتخاب من قبل. وخسرت مكجراث في مسعاها للفوز بمقعد في مجلس النواب عام 2018 أمام النائب الذي كان يشغل المقعد بالفعل آندي بار بفارق ثلاث نقاط فقط في دائرة فاز فيها ترامب بفارق 16 نقطة. وكان هذا أداءً جديراً بالإعجاب. وتواجه مكجراث مشكلة كبيرة في ولاية كنتاكي الشديدة المحافظة، والتي تفوّق فيها ترامب على هيلاري كلينتون بفارق 30 نقطة.
وهذا يعود بنا إلى ضعف شعبية مكونيل وضعف الشعبية هذا ليس على مستوى البلاد فحسب، بل هو محلي أيضاً في ولايته كنتاكي التي يشغل مقعدها في الكونجرس. ورغم انتخابه وإعادة انتخابه ست مرات، فنسبة التأييد له منخفضة بشدة. ومكونيل هو السيناتور الوحيد في أميركا الذي تزيد نسبة عدم التأييد له على 50%. وأشار استطلاع رأي إلى أن 56% لا يؤيدون مكونيل بينما 33% فقط يؤيدونه. ويرجع السبب في جانب كبير من ذلك إلى الناخبين «الجمهوريين» الذين يقولون إنه لا يروقهم العمل الذي يقوم به. وفي استطلاع آخر تبلغ معدلات التأييد له وسط «الجمهوريين» 47% مقارنة 87% يتمتع بها ترامب
وسط «الجمهوريين».
ومكونيل سيعلل هذا بأنه ثمن كون المرء زعيم الأغلبية الذي يضطر لتحمل الكثير من اللوم لأن الناس قد يلومونه على أي شيء لا يروقهم في طريقة عمل واشنطن على الأقل لبعض الوقت.
والسؤال هو: هل سيصوت «الجمهوريون» الذين لا يعجبهم مكونيل لصالح «ديمقراطي» ليحل محله؟ وهل سيفعلون هذا في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ في جانب، نسبة المشاركة ستكون كبيرة مما يرجح أن يصب في مصلحة مكجراث. وفي جانب آخر، سيعزز السباق الرئاسي مشاعر الحزبية ما يجعل من الصعب أن يغير أنصار ترامب رأيهم، وهو ما يأمل فيه مكونيل. وصور فريق مكونيل في مقطعهم المصور مكجراث باعتبارها ليبرالية أكثر مما تتحمل الولاية وربطها بشخصيات ديمقراطية، مثل نانسي بيلوسي وهيلاري كلينتون، واليزابيث وارين، والكسندريا أوكاسيو كورتيز.
ولا نعرف أي نوع من الحملات ستخوضه آمي مكجراث. فعلى سبيل المثال، ربما تقوم بعملية تعبئة كبيرة لجذب أعداد كبيرة من أصحاب الحق في الانتخاب ليسجلوا أنفسهم في النظام. ولن تواجه مشكلة على الأرجح في جمع المال، خاصة إذا ظهرت بوادر احتمال الفوز بالسباق. لكن ما قد تحتاجه لتتفوق هو دفعة «ديمقراطية» على المستوى القومي في انتخابات لا تطيح ترامب فحسب، بل يتردد صداها على طريق العملية الانتخابية. أيمكن حدوث هذا؟ صحيح أنه بعيد عن الترجيح، لكن لا يوجد شيء مستحيل.

*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»