يصعب تخيل قصة أكثر تدميراً لمرشح لمنصب رئيس وزراء بريطانيا من شيوع الاعتقاد بأنه يمثل تهديداً أمنياً. لكن من الصعب التفكير في أي مرشح غير بوريس جونسون قادر على السخرية من مثل هذا الاعتقاد. ففي اجتماع لقيادات حزب المحافظين في دارلنجتون في نورثرن انجلاند، الخميس الماضي، تهكم جونسون على القصة بطريقة أشاعت جواً من المرح في الاجتماع. وكانت وسائل إعلام بريطانية قد ذكرت أن تيريزا ماي حاولت منع جونسون من الاطلاع على بعض المعلومات الاستخباراتية في جهاز «إم. أي. 6».
ويتجول جونسون ومنافسه جيرمي هانت في بريطانيا ويتحدثان على المنصة نفسها واحدا بعد الآخر. ويحاول كل منهما إقناع 180 ألف عضو من المحافظين بالتصويت له في انتخابات قيادة الحزب بوصفه الخليفة الملائم لماي. ومازال جونسون الخيار المفضل بشكل واضح، لكن هانت يحاول استخدام الجولة القومية ليضيّق الفارقَ بينهما. وبنهاية الشهر سيظهر الفائز. وهذه الانتخابات تضع على المحك شكل المستقبل السياسي لبريطانيا ومسار عملية خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت). ويعلن جونسون أنه عازم على الخروج بالبلاد من التكتل الأوروبي بأي ثمن، بما في ذلك احتمال حدوث انهيار اقتصادي في حالة الخروج دون التوصل إلى اتفاق، بحلول 31 أكتوبر المقبل. أما هانت فأكثر حذراً إذ يعلن أنه سينتظر فترةً أطولَ إذا كان هناك أمل في خروج مصحوب بصفقة.
ومساء يوم الخميس الماضي، في مدينة يورك الواقعة إلى الجنوب قليلا من دارلنجتون، كان الوقت ينفد من هانت. فقد كانت بطاقات التصويت بالبريد قد وصلت من عدد كبير من أعضاء الحزب وأظهر أحد الأعضاء صورة ضوئية لتصويته الذي اختار فيه جونسون. ويرى ديفيد كوتس، وهو مصرفي متقاعد (77 عاماً) أن جونسون هو «الشخص الذي سيوحد البلاد. إن بريكسيت نظيف هو ما نريده»، وحين سئل عما إذا كان هذا يعني ترك التكتل دون التوصل إلى صفقة، أجاب كوتس بأن هذا هو المقصود «بالتأكيد».
وجونسون هو المفضل لدى أعضاء القاعدة الشعبية من الحزب منذ سنوات. وقد حملت خطبته السياسية الافتتاحية أسلوبه النمطي. فقد كانت عبارة عن سلسلة من النقاط السياسية المنسوجة في مجموعة من الحكايات التي يفقد فيها جونسون على ما يبدو مغزى القصة ذاتها. وقد وصفه هانت بأنه شعبوي، لكن جونسون يجعل أعضاء حزب المحافظين يشعرون بالرضا. وحين سئل عن احتمال خروج بريطانيا دون صفقة، قال إنه إذا حدث هذا سيكون جيداً. ومضى يقول متفكهاً: «ستحلق الطائرات وستكون هناك مياه شرب نظيفة، وسيكون ثمة غداء في الكريسماس». ويحب جونسون إرضاء الجمهور. ويريد المحافظون بالتأكيد الشعور بالانتشاء، بعد أن عانوا من انقسامات وخسائر انتخابية أثناء السنوات التي قادتهم فيها ماي.
أما هانت، وزير الخارجية البريطاني، فقد تحدث دون خطبة معدة سلفاً، لكنه ألقى كلمة منظمة ومتماسكة منطقياً. وكان يتحدث دون سترته ويشمر قميصه عن ساعديه قليلا، ودارت كلمته حول تحمل المسؤولية، وأعلن أن الحكم يعني الاختيار، وأن الخلاف بينه وبين جونسون قليل، لكنه سأل عمن سيكون الأقدر على التفاوض للتوصل إلى صفقة. وطريقة هانت تُذكر بجراح يشرح أن العلاج سيكون صعباً وينطوي على مخاطر لكنه يتبع النهج الصحيح. وخرج بعض أفراد الجمهور من القاعة قبل نهاية كلمة هانت لكن كان هناك معجبون به. فقد عبر فيليب بارتل (70 عاماً) عن تفضيله لهانت قليلا لأن الأمر يتعلق بمكانة رئيس الوزراء وباحتمال تمتع هانت باحترام أكبر في العالم.
واستطلاعات الرأي لأعضاء حزب المحافظين تُظهر تقدم جونسون. لكن الحزب لا يجمع بيانات عن أعمار ونوع ومحل إقامة أعضائه، ما يجعل من الصعب على القائمين بالاستطلاعات تقرير مدى توازن عينتهم. وقد أكد أنطوني ويلز من منظمة «يوجوف» لاستطلاعات الرأي صعوبة معرفة مدى تمثيل العينة للواقع. لكن رغم كل هذا يشعر ويلز بالثقة في أن جونسون متقدم في كل مجموعة من أعضاء المحافظين. وأثناء مغادرة مقر الاجتماع، لخص مقترع يدعى «ستيفن باتي» معضلة الاختيار قائلا «جيرمي هانت سيكون رئيس وزراء أفضل. لكن بوريس جونسون سيكون الشخص الذي سيشرف على عملية الخروج. يتعين علي الذهاب إلى المنزل والتفكير في هذا».
صحفي بريطاني
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»