من الواضح أن مناظرات الأسبوع الماضي أضعفت نائب الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي للرئاسة الأميركية «جو بايدن»، وزادت على الأرجح حظوظ واحدة من المرشحتين التقدميتين، «كامالا هاريس» أو «إليزابيث وراين»، للفوز بترشيح الحزب «الديمقراطي» لانتخابات الرئاسة في 2020. ويمكن سماع شكاوى كثيرين في الحكومة «الفيدرالية» من أن «الديمقراطيين» يميلون ميلاً شديداً صوب «اليسار».
لذا، من الجدير تحليل تلك الشكاوى. وما أراه أن هذه الشكاوى ترتكز على ثلاثة ادعاءات مختلفة تماماً. الأول: أن الحزب يجازف باحتمالات انتخابه. الثاني: أن الحزب أضحى غير مسؤول اقتصادياً ومالياً. وأخيراً: أن «الديمقراطيين» يقترحون ظلماً إعادة توزيع دخل من يكونون الثروات على من لا دخل لهم.
وفي ضوء ذلك، لابد من معرفة أن الادعاء الأول باطل على الأرجح، وأن الثاني باطل قطعاً، وأن الثالث يتجاهل مدى ما يحدث بالفعل من إعادة توزيع الثروة في أميركا، ويبدو أن الناخبين «الجمهوريين» من بين أكبر المستفيدين منها.
وعلى الصعيد السياسي، يميل السياسيون والمراقبون على السواء إلى تكوين علاقات قوية مع الأثرياء أكثر من الناخبين العاديين، ويبدو في كثير من الأحيان أنهم يتصورون أن أولويات الأثرياء، وهم 1 في المئة فقط من الأميركيين، بإبقاء معدلات الضرائب منخفضة وتقليص المخصصات، تجد صداها حقيقة بين الرأي العام. لكن استطلاعات الرأي تظهر العكس بقوة، فالناخبون يرغبون في زيادة الضرائب على الأثرياء وزيادة البرامج الاجتماعية الحكومية من أجل الفقراء.
وعليه، فإن ميل «الديمقراطيين» صوب «اليسار» بشأن الضرائب والإنفاق، هو في الحقيقة ميل تجاه ما يفضله الناخبون وليس بعيداً عنه. وبالطبع، سيحاول «الجمهوريون» شيطنة مقترحات «الديمقراطيين»، لكنهم سيفعلون ذلك على أية حال. ولعلنا نتذكر أنهم وصفوا باراك أوباما بأنه «اشتراكي» على رغم من رغبته في خفض مخصصات برنامج «ميديكير» لرعاية كبار السن، من بين تغييرات اجتماعية أخرى.
وأما على صعيد المسؤولية المالية والاقتصادية، فأتصور أنه لا يحق لأي شخص «جمهوري» أيّد التخفيضات الضريبية عام 2017 أن ينتقد المقترحات «الديمقراطية» بإنفاق المزيد على أمور مثل رعاية الأطفال. فعلى أية حال، يبدو من المرجح أن تلك التخفيضات الضريبية ستضيف زهاء تريليون دولار إلى الديون الفيدرالية، بينما لم ير أحد الطفرة الموعودة في استثمارات قطاع الأعمال!
وفي الوقت ذاته، هناك سبب جيد جداً لزعم أن المقترحات «الديمقراطية» سيكون لها منافع اقتصادية وكذلك إنسانية. فدعم رعاية الأطفال على سبيل المثال، سيفسح المجال لمزيد من النساء من أجل دخول سوق العمل، ومن ثم سيدفعن ضرائب تعوض بعض التكاليف. والأطفال المستفيدون من ذلك الدعم سيصبحون في وضع صحي أفضل في نهاية المطاف، وبالتالي بالغين أكثر إنتاجية.
وبعبارة أخرى، بينما يدعو «الديمقراطيون التقدميون» بصورة أساسية إلى مزيد من العدالة الاجتماعية، فيمكنهم أيضاً التأكيد بصورة أفضل بكثير من فعل «الجمهوريون» من قبل على أن مقترحاتهم ستساعد الاقتصاد وستعوض ولو جزءاً من تكاليفها.
وأخيراً وليس آخراً، إذا كنت تعتقد أن الأجندة التقدمية خاطئة أخلاقياً، وأن الناس لا ينبغي أن يحصلوا على امتيازات حكومية أكثر مما يدفعون من ضرائب، فلابد أن تكون على دراية بالعدد الكبير من الأميركيين الذين يحصلون بالفعل على إعانات حكومية أيّاً كان ما يدفعونه من ضرائب. والشريحة الكبرى تعيش في جميع الولايات التي صوتت لصالح دونالد ترامب.
وبحسب تقرير حديث صادر عن «معهد روكفلر» حول «ميزان المدفوعات» الفيدرالي بين الولايات الأميركية، الذي يقيس الاختلاف بين ما تنفقه الحكومة الفيدرالية في كل ولاية وما تحصل عليه منها في صورة إيرادات، فإن النمط السائد هو دعم الولايات الغنية للولايات الفقيرة. والأسباب واضحة، فالولايات الغنية تدفع ضرائب فيدرالية أعلى، بينما تحصل على نفقات فيدرالية أقل، لأن برامج مثل «ميديكيد» وغيرها تُوجّه إلى أصحاب الدخل المنخفض.
وإذا أخذنا ولاية «كينتاكي» كمثال، سنجد أن ما حصلت عليه في 2017 من الحكومة الفيدرالية يزيد بقيمة 40 مليار دولار على ما دفعته من ضرائب، أي خمس إجمالي ناتجها المحلي. ومن المنصف أن نقول إن كثيراً من سكان الولاية حافظوا على وظائفهم بفضل برامج اجتماعية مثل «ميديكير» و«ميديكيد» وقسائم الغذاء المدعمة بأموال الحكومة الفيدرالية.
وإذا كنت تعتقد حقاً أن الأميركيين ذوي الدخل المرتفع لا ينبغي أن يدفعوا مقابل امتيازات تقدم إلى أصحاب الدخل المحدود، عليك أن تطالب بأن توقف الولايات «المانحة» مثل نيويورك ونيوجيرسي دعمها لولايات مثل «كنتاكي» وتدع اقتصاداتها تنهار. وإذا كان ذلك هو المقصود، فلابد من إخبار الناخبين في الولايات «الجمهورية».
وبيت القصيد أنه في حين يمكن انتقاد مقترحات «ديمقراطية» معينة، لكن لا يمكن تصوير «التقدميين» على أنهم متطرفون أو غير مسؤولين، لاسيما إذا ما قارناهم بالحزب «الجمهوري» المعاصر.
*أكاديمي أميركي حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/07/01/opinion/2020-democrats-taxes.html