في أحاديثه وتغريداته المتصلة، منذ بدء إيران استفزازاتها للولايات المتحدة الأميركية، يعلن الرئيس ترامب بأنه لن يسمح أبداً لإيران بالحصول على السلاح النووي، وبأن الجهود التي تبذلها بلاده لوقف البرامج النووية الإيرانية هي من أولوياته الأساسية، ويؤكد بأنه رغم تعليقه القيام بعمل عسكري في الوقت الراهن، إلا أن العمل العسكري مطروح على الطاولة - كخيار قائم- لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، ويشدد على أنه لا يستبعد أي خيار لحل المسألة النووية الإيرانية، في إشارات واضحة إلى عمل عسكري محتمل في حال فشل واستنفاذ الجهود الدبلوماسية.
وتأتي هذه التصريحات لكي تجعل من سياسات الإدارة الأميركية تأخذ تصاعدياً، بحيث يبدو الأمر وكأن الولايات المتحدة تغير مواقفها تباعاً، لأنها أيقنت بوجود خطر حقيقي يتشكل من إيران على ضوء ما قامت به مؤخراً من أعمال إرهابية متواصلة، أهمها إسقاط طائرة الاستطلاع على المياه الدولية في مضيق هرمز، وبأن الولايات المتحدة تحتاج إلى سياسة أكثر وضوحاً وبراجماتية وقوة للتعامل مع هذا النظام المارق.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل تصريحات الرئيس ترامب القوية هذه قابلة للتنفيذ؟ وهل ستقدم بلاده فعلاً على مهاجمة إيران عسكرياً إن هي لم تتراجع عن أعمالها العدائية؟ وما هو رد الفعل الإيراني على ذلك؟ والواقع هو أن القيام بأي عمل تقليدي ضد إيران يبدو غير ممكن في الظروف العادية، وربما أن ذلك هو سبب انتشار الإشاعات حول وجود خطط للتعامل مع إيران عن طريق استخدام القوات الخاصة، أو الهجمات الجوية والصاروخية ضد أهداف محددة في العمق الإيراني. وإلى الآن لا يبدو بأن عملاً عسكرياً تقليدياً شاملاً يقوم به تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة، مطروح كلية، فالحروب في العراق وأفغانستان أنهكت قوة الولايات المتحدة التي تمددت إلى أقصى حد ممكن. وحتى لو أن الولايات المتحدة سحبت قواتها من مناطق أخرى ونشرتها في الخليج العربي، فإن أمر نقص عدد القوات اللازمة لمهاجمة إيران سيبقى قائماً، فأي هجوم كاسح على إيران سيحتاج إلى ملايين من جنود المشاة.
ويضاف إلى ذلك المواقف المعارضة لكل من روسيا والصين ضد مهاجمة إيران، ما لم تحدث أمور هامة أخرى تغير من ذلك.
العالم يواجه مشكلة حقيقية مع إيران، بالنسبة لسلوكها كدولة عدوانية مارقة تدعم الإرهاب وتمارسه، وتسعى إلى التسلح النووي والباليستي، وتوجد جهود جماعية متصلة لتعديل مساراتها يقوم بها المجتمع الدولي، لكن دون جدوى حتى الآن، وقد صدرت حتى الآن مجموعة من قرارات مجلس الأمن الدولي تدين إيران وتفرض عليها العقوبات بسبب استمرارها في كل ما تقوم به من سلوكيات مشينة، لكن أياً من تلك المساعي والجهود لم تنجح حتى الآن وإيران مستمرة في غيها وضلالها، وهي ماضية في الدفع إلى الأمام ببرنامجها النووي والتشدد في مطالبها وسلوكياتها تجاه المجتمع الدولي، والتدخل في شؤون الدول العربية من البحرين إلى العراق إلى سوريا فاليمن. وربما يعود السبب في ذلك، جزئياً، إلى عدم وجود تضامن وحشد قوي بين أعضاء المجتمع الدولي في مواجهة إيران.
الاعتقاد السائد في العالم أن إيران لا تستطيع الوقوف أمام جبهة عالمية متحدة، لكن مثل هذه الجبهة لم تتشكل بعد، فالمسار المتبع هو وجود وحدة بين الحلفاء الغربيين ومن يهمهم الأمر في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي، لكن هذه الطريقة تبدو غير مجدية حتى الآن، ولابد من إيجاد وسائل أخرى مستحدثة.. لذلك فإن الحالة المضطربة في الخليج العربي ليست بمشكلة تتسبب فيها إيران وكفى، بل هي معضلة تسلح نووي يقبع في جوهرها امتلاك نظام سياسي مارق، ذي نزعة عدائية توسعية، أسلحة نووية وصواريخ باليستية وأسلحة دمار شامل فتاكة تشكل خطراً على الأمن والسلام العالمي، وهنا مكمن الخطر الحقيقي. صلب الموضوع يبرز في تكرار السؤال المتعلق بهل يستطيع المجتمع الدولي أن يتعايش مع وجود سلاح نووي في يد إيران، أم أن عليه أن يمنعها من ذلك؟ ما نعتقده هو أن تداعيات امتلاك إيران أسلحة نووية تشكل خطراً على مستقبل العالم أجمع.
*كاتب إماراتي