من الطبيعي أن تسعى الأحزاب العربية في إسرائيل للاستفادة من أخطاء وقصورات انتخابات «الكنيست» (البرلمان الإسرائيلي) الأخيرة التي جرت في أبريل الماضي، وتجاوز النتائج الضعيفة ومراجعة طريقة عملها، خاصة وأن واقع الحال اليوم يشير إلى فرصة غير مسبوقة بفوز كبير لليمين الإسرائيلي تتمثل بالضعف الفلسطيني والواقع الإقليمي والعربي المشتت والدولي الضعيف الذي تهيمن عليه صفقات الرئيس الأميركي (دونالد ترامب). فاليمين الإسرائيلي يتجه نحو الهيمنة الأيديولوجية ليس فقط على إسرائيل بل على مجمل المشروع الصهيوني. وقد لفتت تقارير صحافية إسرائيلية إلى جهود يبذلها ما أسمته ب «مرجع ديني كبير» في الصهيونية الدينية، لتوحيد أحزاب اليمين المتطرف في قائمة واحدة لخوض انتخابات الكنيست المقبلة، وذلك على ضوء سقوط حزب «اليمين الجديد»، بزعامة الوزيرين السابقين (أييلت شاكيد) و(نفتالي بينيت)، الذي شكل صفعة قوية لتيار الصهيونية الدينية «الصاعد» نحو احتلال مؤسسات الدولة. هذا، مع العلم أن الأحزاب الصهيونية الدينية الاستعمارية/ «الاستيطانية» هذه تقع على يمين «الليكود» في الخريطة السياسية الإسرائيلية.
لقد شكلت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة ضربة قوية للعمل السياسي العربي عموماً في أراضي فلسطين 48، وكان من الطبيعي استخلاص العبر منها والعمل على العودة إلى «القائمة المشتركة» والالتزام بها ليس كخيار للأحزاب فقط بل تلبية لمطلب المجتمع العربي ككل بل ولأبناء الشعب الفلسطيني ولأبناء الأمتين العربية والإسلامية أينما كانوا. وعليه، أعلنت الأحزاب العربية الأربعة في فلسطين 48 «حداش» (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) و«بلد» (التجمع الوطني الديمقراطي) و«تعل» (الحركة العربية للتغيير) و«رعم» (القائمة العربية الموحدة)، عزمها خوض انتخابات الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) الـ «22» في سبتمبر المقبل في قائمة واحدة. ومما لا شك فيه أن إعلان الأحزاب الأربعة تأكيدهم الالتزام الكامل بالقائمة المشتركة كخيار وحيد لخوض الانتخابات، وضرورة الإسراع في إتمام تشكيلها للانطلاق في حملة انتخابية قوية لتقوية التمثيل السياسي للجماهير العربية، كان نتيجة مباشرة للتباينات السابقة والتي لا فائدة من الحديث عنها اليوم، خاصة أن الأسباب والدوافع لإقامة «القائمة المشتركة» في العام 2015 لم تنخفض بل زادت، والتحديات السياسية الحالية تحتّم على فلسطينيي 48 الوحدة. فالفلسطيني يعرف أنه مواطن من الدرجة الثالثة وربما الرابعة، وأنه المكروه الأكبر في «دولة» رافضة لانصهار أي عربي في «نظام» يعتبره طابوراً خامساً، في ظل دولة تمييز عنصري (أبرتهايد) واستعمار/ «استيطان»، رسخها رسمياً «قانون القومية» الذي أقر تفوق موقع اليهود، وبأن إسرائيل هي دولة أي يهودي من أي بقعة في العالم أكثر منها دولة لأي مواطن عربي من مواليد هذه الأرض!
لقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي عرضته القناة 13 الإسرائيلية، ارتفاع تمثيل الأحزاب العربية بمقعدين إضافيين إذا خاضت الانتخابات بقائمة واحدة مشتركة. ووفقاً للاستطلاع، (تحل القائمة المشتركة ثالثة بحصولها على 12 مقعدًا، يليها حزب«إسرائيل بيتنا» برئاسة أفيغدور ليبرمان، أكبر المستفيدين من خوض انتخابات جديدة في سبتمبر المقبل، إذ يحصل على 7 مقاعد). والحال كذلك، مأمول من «القائمة المشتركة» أن تخرج من عباءة النظر إلى نفسها كمشروع برلماني وانتخابي بحيث تقدم إجابات سياسية على القضايا المجتمعية التي تواجه فلسطينيي 48. ففي دراسة للباحث الإسرائيلي (هليل كوهين) يتحدث عن مشروع إسرائيلي وضعته الأجهزة الأمنية والعسكرية في إسرائيل منذ بدايات تأسيس الدولة الصهيونية وما زالت ملتزمة به ألا وهو: (خلق كيان بديل هو ما سمي ب«عرب إسرائيل» بهدف تهميش كونهم جزءًا من الشعب الفلسطيني، وبالتالي إلغاء كل مطالباتهم وادعاءاتهم المرتبطة بالأرض الوطن).
يدرك فلسطينيو 48 أهمية ثقافة العمل الجماعي، الأمر الذي يعزز مشروعهم الوطني كشعب جذوره أصيلة في دولة تمييز عنصري (أبرتهايد). فمن خلال العمل الجماعي يمكن تحقيق أكبر قدر من الحقوق المدنية والخدماتية، مع توحيد الخطاب الوطني والاقتصادي الحاد وليس المعتدل ورفع سقف المطالب وليس تخفيضها. فالهدف ليس النقد في «الكنيست» بحد ذاته بقدر ما هو نضال مرتكز إلى أرضية صلبة لا تتزعزع عبر برنامج سياسي واضح يستند إلى المواطنة الكاملة والحقوق الجماعية. من هنا، نشد على أيدي الأحزاب العربية التي سارعت بمناقشة آليات لصياغة برنامج سياسي لـ«القائمة المشتركة» وصولاً إلى اتفاق نهائي يشمل البرنامج السياسي وخطة العمل وتركيبة القائمة وهيكليتها التنظيمية، والأهم اتفاقهم العلني على إقامة «القائمة المشتركة» وأن الحوار والنقاش هو بشأن التفصيلات لضمان نجاح القائمة وتحقيق الأهداف المرجوة منها، على قاعدة إيجاد مشروع سياسي لفلسطينيي 48 يبدأ بتحويل «القائمة المشتركة» إلى حالة وطنية بالعمل ليس فقط داخل «البرلمان» بل وخارجه أيضاً وهو ما يمكن له أن يسهم في بناء مشروع وطني فلسطيني. وفي هذا الإطار، تقول الباحثة الإسرائيلية (شيرا رابنسون): «إسرائيل خلقت المواطنة كوسيلة لإقصاء العرب، وذلك بعكس المنطق السوي الذي يقف من وراء المواطنة، بمعنى أنّ إسرائيل خلقت المواطنة كتصنيف لإبعاد الفلسطينيين عن حقهم في الدولة».
*كاتب ومحلل سياسي