دائماً ما ترتبط الانتخابات في الدول الغربية بالضرائب، التي تعتبر عاملاً أساسياً في توسيع المشاركة السياسية وجلب الأصوات، علماً أن الأموال العامة هي «أموال دافعي الضرائب» ومن هنا التأصيل لمفهوم السياسات العمومية منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث كان لطغيان مبدأ«government» الفضل في تطور هذا العلم أولاً في الولايات المتحدة الأميركية، حيث ألفت عنها الكتب، وظهرت نظريات عديدة تؤصل للمصالح الجماعية والفردية التي تقوم بصياغة سياسات «هادفة» و«تنموية» تنطلق من قاعدة أساسية، وهي كيف يجب التفكير بتنموية أكثر وبمصاريف أقل ما دامت الأموال العمومية هي أموال الشعوب (دافعي الضرائب).
وعندما تتلاعب الدول في القوانين والنظم الضريبية، فإن الشفافية تنعدم كما أن الجشع والغش والدفاع عن جو استثماري مفرط بالتفاؤل والاحتيال تؤدي مجتمعة إلى خلق أزمات اقتصادية وانفجارات لا يحمد عقباها.
كما أن الضرائب غير مرتبطة فقط بالانتخابات، بل هي مرتبطة أيضاً بالسلم الاجتماعي. ونحن نتذكر أنه من بين أسباب خروج الفرنسيين في إطار ما يسمى بأصحاب «السترات الصفراء» غلاء المعيشة وارتفاع الضرائب، فمنظمة «التعاون الاقتصادي والتنمية» نشرت في إحدى تقاريرها، إن فرنسا تخطت الدنمارك لتسجل أعلى إيرادات ضريبية بين البلدان المتقدمة في السنوات الأخيرة حيث شهدت حصيلة الضرائب الحكومية مستوى قياسياً مرتفعاً في أرقام لم تساعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسهولة على تهدئة المحتجين الغاضبين بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
ومما جاء في التقرير إن إجمالي إيرادات الضرائب الحكومية الفرنسية بلغ في المتوسط 34.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بين الدول الأربعة والثلاثين المتقدمة... ونفهم جلياً أنه بعد نتائج الحوار الوطني الكبير للخروج من أزمة السترات الصفراء التي شهدتها فرنسا لأزيد من ستة أشهر، توقف الرئيس الفرنسي في مؤتمر مطول ألقاه مباشرة من قصر الإليزيه، عند مسألة الضرائب التي كان ينتظرها الفرنسيون، ومن بين الإجراءات التي جاء بها إنه يتعين على الفرنسيين أن يعملوا أكثر احتذاء بسكان دول الجوار لأن العمل هو ما يؤدي إلى تراكم الثروات، وإنه قد اتخذ قرار تخفيض الضرائب على الدخل بالنسبة للعاملين (ما يقرب من 5 مليارات يورو) ويتم تمويلها من خلال سد الثغرات الضريبية الناتجة عن الإعفاءات وزيادة ساعات العمل وتخفيض النفقات الحكومية.
ثم إن طلب الزيادة في الضرائب قد يرتبط بحالات فريدة قلما تجدها في الكتب التي ندرسها في الجامعات لطلبتنا، وهي تأتي من دافعي الضرائب أنفسهم، وأقصد بذلك الخطاب المفتوح الذي وقعه أبرز الأثرياء في الولايات المتحدة لمرشحي سباق انتخابات الرئاسة لسنة 2020، والذين طالبوا فيه بضرورة دعم ضريبة ثروات على فاحشي الثراء لتعزيز المساواة ومكافحة التغير المناخي حيث قالوا بالحرف: «هناك مسؤولية أخلاقية واقتصادية ملقاة على عاتق الولايات المتحدة تدفع بها في اتجاه فرض المزيد من الضرائب على ثرواتنا». وأكدت هذه المجموعة وتضم أبرز الأميركيين ثراء على أنهم لا ينتمون إلى أي حزب ولا يدعمون أي مرشح.
ومن الموقعين، البالغ عددهم 18 شخصاً، ورثة «والت ديزني»، ومالكي سلسلة فنادق «حياة» وجورج سوروس، والشريك المؤسس في «فيسبوك» كريس هيوز، ومولي مونغر ابنة الملياردير شارلي مونغر. وأشار الخطاب إلى أن الملياردير وارن بافيت مثلا يدفع ضرائب أقل من مدير مكتبه !
وارتبطت أسماء الكثير من الموقعين بمبادرات ركزت على مشكلات مثل التغير المناخي واتساع الفجوات المالية بين الأميركيين... ولا يظنن ظان أن هذه المطالب لن تفيد الخزينة العامة في شيء، فالمرشحة الرئاسية المحتملة عضوة مجلس الشيوخ الأميركي عن الحزب «الديمقراطي» إليزابيث وارن التي ما فتئت تنادي هذه الأيام بفرض ضرائب أعلى على من تتجاوز ثرواتهم 50 مليون دولار، تقول في خطاباتها، إنه إذا ما طبق هذا المقترح في المستقبل فإن ذلك، سيؤثر على 75 ألف أسرة من أغنى الأسر في الولايات المتحدة. وقدرت التقارير الجادة بأن الأموال التي قد تدخل إلى الخزانة الأميركية قد تعادل حوالي 2.75 تريليون دولار.
وختاماً فإن الضرائب والانتخابات والطبقات المتوسطة والغنية والفقيرة كلها مكونات لمعادلة توازنية قد تؤدي في حال إنجاح تركيبتها إلى تحقيق التنمية والثقة والسلم الاجتماعي، وفي حال الفشل فيها إلى إشعال وقود اللاسلم والأزمات الاقتصادية العاتية.
*أكاديمي مغربي