في ليلة بدء الكابوس، وهو حكم «الإخوان المسلمون» لمصر، التقيت أستاذاً جامعياً مصرياً، قد اشتعل رأسه شيباً، يقيم ويعمل في الرياض، وتم تقديمه على أنه رجل ناصري، مشغول بالسياسة حتى النخاع، فدفعني هذا إلى سؤاله عن حكم محمد مرسي، وماذا يتوقع منه؟ فأجاب على الفور: «يا ابني لن يستمر حكم الإخوان أكثر من سنة». كان جواباً مفاجئاً نوعاً ما، يتعلق بجماعة ظلت تكتب، عبر عدد غير قليل من رموزها، عن نظام الحكم المثالي، على مدى الثمانين سنة السابقة لهذه الليلة التي بدأ فيها حكم «الإخوان» لمصر، فسألته عما يدفعه لتبني هذا القول الصارم في تنبؤه بالمستقبل، فأجاب: «يا ابني دُوْل شوية وعاظ، وليسوا رجال حُكم». لم يكن ساحراً ولا مُنجماً، ولم يقرأ في فنجان، وإنما كان محللاً سياسياً محترفاً، كان فارساً يصيب كبد الحقيقة من أول رمية.
كان المتوقع لدولة خارجة من ثورة، أن تقيم حكومة ائتلافية تجمع جميع الأطياف السياسية، مهما كانت صغيرة، لكن «الإخوان» أرادوا الكعكة كلها، بحيث لا يشاركهم فيها أحد، لا إسلاميين، كحزب «النور» السلفي، ولا غيرهم من الأحزاب. هنا تذكرت مقولة صاحبنا الناصري «شوية وعاظ وليسوا رجال حُكم»، فالواعظ لا يعرف أن الحُكم، مهما كان الحاكم قوياً، لا يقوم إلا على الواقعية السياسية. هذا لا يعني أبداً أن حكومة مرسي كانت شيئاً نقياً، كما تتصور المذاهب الطُهرانية نفسها، فكلنا قد رأينا خطابه الذي يصف الرئيس الإسرائيلي بالصديق العزيز. إنهم لا يخلون من البراجماتية السياسية، لكنهم يستخدمونها بطريقة فجة سوقية ساذجة، تنقلب دائماً على رؤوسهم. لقد أرادوها كثورة الخميني ودولة الخميني الذي قفز على السلطة وعلّق حلفاءه من حزب «توده» الشيوعي على المشانق، ثم عاد وصفّى ما بقي من معارضيه في السجون في حادثة 1988. لقد كان الخميني، على سوئه، قدوتهم التي فشلوا في محاكاتها. حاولت السعودية احتواء محمد مرسي، واستقبلته في 2012 لكي لا يخرج عن الحاضنة العربية، ولعله أن يكون كرؤساء عرب غيره خرجوا من عباءة الإخوان، إلا أنه لم يُخرج ملابسه من الحقائب، قبل أن يتوجه بعد زيارة السعودية إلى إيران، التي فتح أبواب مصر لها، بعد أن بقيت مغلقة في وجه الملالي، منذ قيام ثورتهم في 1979. لقد كان محمد مرسي تابعاً صغيراً لأيديولوجيا الجماعة وتحالفاتها الإيرانية والتركية، ولم يكن قط يستحق أن يكون رئيساً لمصر.
سنة واحدة كانت كافية، لكي يعرف الشعب المصري جماعة «الإخوان» على حقيقتها، بعيداً عن الشعارات التي صورت لضعيف العقل أنهم سيعيدون للناس عدل عمر بن الخطاب. «الإخوان» الذين زعموا في البداية أنهم لا يريدون إلا زيادة مقاعدهم في مجلس الشعب، انقلبوا على كل ما عاهدوا الشعب عليه، وابتلعوا كل شيء، فانفجر الناس وخرجوا إلى الشوارع، فكانت ثورة 30 يونيو. تقول جماعة «الإخوان» وأبواقها الإعلامية في قطر وتركيا، إن الذي أسقط مرسي، ليس الشعب المصري، وإنما الدول التي أعلنتا تأييدها لثورة 30 يونيو، وهذه دعوى تسقط من أساسها بجملة مفادها، أن الحاكم الذي يحظى بتأييد شعبه أو أغلبيته، لا يستطيع أن يسقطه أحد.
بالنسبة لنا في الخليج، ثورة 30 يونيو كانت فعلاً «خطوة مباركة»، فقط تخيلوا لو أنها لم تقم، وبقينا مع حاكم «إخواني» في مصر، وطامح في استعادة العثمانية في تركيا، وملالي في إيران، يرون لأنفسهم حقاً في حكم العرب، وتمتد أظافرهم للبنان والعراق وسوريا واليمن، حيث الانتحاري «الحوثي» تمتلئ أشداقه بالقات، وجار في قطر ينطلق من عقلية صبيانية، وأكبر طموحاته أن يزعج جيرانه ولو بالكلام! لا شك أنها ستكون أوضاع صعبة للغاية، لولا ثورة 30 يونيو.
*كاتب سعودي