يقف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على مفترق طرق خطير مع اقتراب موعد استلام تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية إس-400 في نهاية يوليو الجاري. وتعتبر واشنطن وحلفاء آخرين في حلف شمال الأطلسي، أن نظام «إس-400» لا يتفق مع أنظمة حلف شمال الأطلسي، ويمثل تهديداً أمنياً، خاصة على برنامج طائرات إف-35 «الشبح»، وقالت واشنطن إن تركيا ستستبعد من برنامج طائرات إف-35 المقاتلة، إذا مضت قدماً في خطط شراء الصواريخ الروسية، كما هددت بفرض عقوبات اقتصادية في حال مضت بالصفقة. ورغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لام إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، في قمة مجموعة العشرين في أوساكا، على وضع شروط لشراء تركيا صواريخ «باتريوت» الأميركية، فما هي خيارات تركيا؟ وما هي تبعات الاعتراض الأميركي- الأطلسي على هذه الصفقة؟ وماهو تأثير خروجها المحتمل من عملية تصنيع طائرات إف 35 على اقتصادها؟ وإلى أي مدى سيحتمل الاقتصاد التركي العقوبات الأميركية المحتملة؟
تصاعدت، مؤخراً، حدة التوتر بين أنقرة وواشنطن العضوين في حلف شمال الأطلسي، بعد أن فشلت المناورة التركية الهادفة لحيازة منظومتي الصواريخ الروسية المضادة للطائرات«إس-400» والأميركية «باتريوت» معاً، ويصف بعض المعلقين السياسيين الإصرار التركي على استكمال صفقة شراء منظومة الصواريخ الروسية بالابتزاز السياسي الذي طالما أتقنته السياسة التركية. إذ قال ترامب في بداية اجتماع ثنائي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال قمة مجموعة العشرين في أوساكا يوم السبت الماضي، إن الولايات المتحدة تواجه موقفاً «معقداً» في كيفية الرد على صفقة تركيا لشراء أنظمة «إس-400» الروسية للدفاع الصاروخي، وتابع ترامب: «إننا نبحث عن حلول مختلفة».
وكانت تركيا قد قررت شراء منظومة «إس-400» الروسية في عام 2017 بعد تعثر جهودها المطولة في شراء أنظمة الدفاع الجوي «باتريوت» من الولايات المتحدة، ولا يمكن فصل القرار التركي عن التطورات الإقليمية والعلاقات التركية مع كل من حلف شمال الأطلسي والدول الأوروبية وأزمات الشرق الأوسط وخاصة الحرب السورية، حيث تتقاطع السياسة الأميركية مع السياسة التركية في عدة ملفات، أبرزها الدعم العسكري الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية التي ترى تركيا أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني، ثانياً الموقف الأميركي من مطالبة تركيا بتسليم فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب التي وقعت في منتصف يوليو 2016.
ترى أنقرة أنها باتت تقع في محيط إقليمي مأزوم يفرض عليها امتلاك قدرات عسكرية كافية لحماية أمنها ومصالحها، وأن عضويتها في حلف الناتو لا توفر لها الضمانات الكافية لحماية أمنها، ولا تمنعها كذلك من توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها في ما يتعلق بامتلاك القدرات العسكرية، خاصة بعد تصاعد الخلافات بين تركيا وبعض الدول الأوروبية لأسباب متعددة، كذلك سحب حلف الناتو لبطاريات صواريخ باتريوت من تركيا في أغسطس 2015. إذ تروج السياسة التركية بأن نشر منظومة الصواريخ الروسية سيساهم في تطوير القدرات الدفاعية الجوية لتركيا، ما سيتيح لها حماية حدودها ضد أي تهديدات نوعية قد تواجهها في المستقبل.
تخشى وزارة الدفاع الأميركية أن تتمكن أجهزة الرادار التابعة لمنظومات «إس-400» الموجودة في تركيا، أو في دول الناتو، من التقاط معلومات عن المقاتلات الأميركية الحديثة «إف 35» وغيرها من أسلحة حلف شمال الأطلسي، وتتزايد الضغوط الأميركية على الحكومة التركية لإلزامها بالتخلي عن هذه الصفقة وإلا ستوقف أي تدريب جديد للطيارين الأتراك على مقاتلات إف 35، وتلغي الاتفاقات مع الشركات التركية المتعاقد معها لتصنيع أجزاء الطائرة الحربية إف 35، بحلول 31 من يوليو الجاري.
تواصل الحكومة التركية الإعلان عن أنها لن تتراجع عن اتفاقها مع روسيا فيما، يتخوف الكثير من الأتراك من العقوبات الأميركية، ويبدو أن أنقرة المأزومة تريد من خلال الإصرار على إتمام الصفقة الظهور بمظهر قوي، وتؤكد ضمنياً لواشنطن وللناتو على قوة علاقتها بروسيا، لذا يحمل هذا الشهر ساعة الفصل لأردوغان بين المنظومة الروسية المضادة للصواريخ من ناحية، ومنظومة الصواريخ الأميركية «الباتريوت» والمقاتلة الشبح، مضافاً إليها العقوبات، وهو الخيار التركي الصعب.