لم تكن قصة كأس العالم الأكثر إلهاماً، هذا الشهر، تشمل لاعبات فريق المنتخب الوطني للولايات المتحدة، على الرغم من انتصاراتهن العديدة. وهي لا تنطوي على أي لاعبين لكرة القدم على الإطلاق، ولا أي فريق فائز. لكن قصة الرياضة التي تشعرك حقاً بالسعادة تتعلق باللعب الشجاع للمنتخب الوطني الأفغاني في بطولة كأس العالم للكريكيت، التي تجري فعالياتها في إنجلترا وويلز حالياً.
ربما لم تحقق رياضة الكريكيت نجاحاً في الولايات المتحدة، لكن بفضل الاستراتيجية البريطانية المتمثلة في استخدام الكريكيت كأداة لنشر الأفكار المتعلقة بالعرق والطبقة والنخبوية، بلغ عدد متابعي الرياضة في جميع أنحاء العالم حوالي 2.5 مليار مشجع معظمهم يعيشون في المستعمرات البريطانية السابقة، حيث أصبحت رياضة الكريكيت نقطة محورية للمقاومة ضد الاستعمار وغيره. واليوم، أصبح العديد من تلك البلدان نشطاً في تلك الرياضة.
لكن القليل منها يمكن أن يضاهي قصة أصل الفريق الأفغاني أو التقدم الذي أحرزه في أقل من عقد من ممارسة اللعبة. في المرة الثانية فقط، التي يلعب فيها الفريق ضمن فعاليات بطولة كأس العالم، فاجأتْ أفغانستانُ مشاهدي البطولة بأسلوبها في اللعب الذي كان يتسم بالإثارة، وإن كان متهوراً، حيث يعتمد بشكل أكبر على المجازفات الكبيرة أكثر منه على استراتيجية اللعب الطويلة. وبعد هزيمته في خمس مباريات متتالية، أصبح الفريق المستضعف على وشك هزيمة الهند، وتمكن من الحصول على المركز الثاني في العالم الأسبوع الماضي. وتعد المباراة والإشادة الدولية التي تلقاها الفريق منذ ذلك الحين تتويجاً لمعركة خاضها بصعوبة.
وفي ظل حكم حركة «طالبان»، كانت رياضة الكريكيت محظورة في أفغانستان، إلى جانب العديد من الرياضات الأخرى. وتم رفع الحظر عن هذه الرياضة في عام 2000، أي قبل عام من الغزو الأميركي، الذي جعل من الصعب بالنسبة للكريكيت، أو أي رياضة أخرى، تحقيق نجاح على المستوى الوطني. وقد ازدهرت هذه الرياضة في مخيمات اللاجئين الأفغان داخل حدود باكستان. فقد كان الناس –ومعظمهم من الصبية والرجال، ولكن أيضاً بعض الفتيات– يلعبون الكريكيت في الشوارع بأدوات بدائية ومن دون معدات واقية. وقد جاء اللاعبون الذين يشكلون العمود الفقري لفريق أفغانستان الوطني الحالي من مخيمات اللاجئين في ضواحي بيشاور بباكستان.
وبعد أن كانوا يلعبون على ملعب مغبر في كابول، بدؤوا في إثارة الإعجاب خلال فعاليات كأس العالم للكريكيت في بلدان مثل تنزانيا والأرجنتين. وسرعان ما اجتذب الفريق الأفغاني أتباعاً مخلصين وحصل على التمويل من أشخاص في أفغانستان والحكومة البريطانية ومجلس الكريكيت الآسيوي.
واليوم، تعد لعبة الكريكيت الرياضة الأكثر شعبية في أفغانستان، والتي تأتي ضمن أفضل عشرة فرق في العالم (من بين مجموعة صغيرة معترف بها وتضم 16 فريقاً). ولا يزال اللاعبون غير معروفين إلى حد كبير، حتى بالنسبة لمشجعي الكريكيت، ومن غير المرجح أن يتخلوا عن ملاعبهم. فقد كان الفريق محاطاً بتقارير عن حدوث انحرافات خارج الملاعب، بما في ذلك النزاع بين المدرب ولاعبي المنتخب. لكنها مع ذلك ما تزال البداية بالنسبة لبلد جديد على رياضات راسخة منذ فترة طويلة.
ويروي صعود الفريق إلى نهائيات كأس العالم قصة مؤثرة، تبين كيف أصبحت رياضة الكريكيت أداة للوحدة والأمل، وهي قصة تعكس تاريخاً أطول من ذلك بكثير.
وكما قال حاكم بومباي في القرن الـ19، كان من المفترض أن تقدم رياضة الكريكيت «دروساً أخلاقية لجماهير بريطانيا». ومع ذلك، ففي المستعمرات السابقة، تمكن اللاعبون من تدميرها. وفي عام 1932، أي قبل أكثر من عقد من الاستقلال، قام فريق الكريكيت الهندي بقيادة اللاعب «سي كاي نايودو» بمواجهة إنجلترا على ملعب «لوردز»، ملعب الكريكيت الأكثر تقديساً في بريطانيا، ليحطم الحواجز والصور النمطية. وفي عام 1983، عندما فازت الهند بكأس العالم لأول مرة على نفس الملعب، حظيت بإشادة على اعتبار أن فوزها كان بمثابة انتصار على الإمبريالية، حيث إنها استحضرت نفس الذكريات.
ويقال إن الكريكيت أكثر أهمية بالنسبة للحركة المناهضة للاستعمار في منطقة البحر الكاريبي. وكما ذكر الباحث «سي إل آر جيمس»، من جزر ترينداد في البحر الكاريبي، في كتابه «ما وراء الحدود»، أن لاعبي الفريق الهندي الغربي بدؤوا في استخدام أسلوبهم العنيف في اللعب –المختلف تماماً عن أسلوب الإنجليز– كأسلوب مضاد للاتجاهات البريطانية السائدة، ما يعزز هوية مشتركة. ومع ظهور المزيد من اللاعبين الملونين، أصبحوا يتحدون مباشرة النخبة الاستعمارية في المنطقة، وباتوا بمثابة نقاط تجمع لهؤلاء المعارضين للبريطانيين، وبلغ هذا التحدي ذروته عندما هزم الفريق الهندي الغربي إنجلترا لأول مرة على أرض إنجليزية في عام 1950.
وكان قدراً مماثلا من الشغف –وإن لم يكن نفس الأسلوب –قد بدا واضحاً لدى الفريق الأفغاني على مدى الأسابيع القليلة الماضية، خاصة في مباراته المتكافئة ضد الهند. لم تكن قصة الفريق قصة درامية للانتصار على المستعمرين السابقين. لقد كانت بالأحرى توضح كيف أن رياضة مثل الكريكيت يمكن استغلالها لتوحيد الشعوب الضعيفة، وكيف يمكن للحب الذي لا يمكن كبحه للعبة أن يتغلب على عقبات هائلة!
ميلي ميترا*
*محررة في قسم الرأي العالمي بصحيفة «واشنطن بوست»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»