ما يثير الكمد حالياً هو أن رواية «1984» للكاتب الإنجليزي جورج أورويل ربما كانت أكثر تفاؤلاً مما عليه عامنا الحالي 2019. فالرواية استشرفت أن إعادة كتابة التاريخ تحتاج إلى دولة شمولية تنشئ جهاز دعاية يقوم بهذه المهمة. لكننا نعلم الآن أن الأمر لا يحتاج إلا إلى منظمة إعلامية حزبية لا تخجل من شيء للقيام بهذه المهمة. فما عسانا أن نصف ما يقوله عدد من زعماء الجناح اليميني الآن من أن الرئيس السابق باراك أوباما، والذي تولى منصبه عام 2009، هو المسؤول عن الركود الكبير الذي بدأ عام 2007؟ فإما أنهم لا يؤمنون بتتابع وخطية الزمن، أو لا يفهمون أبسط مبادئ علم الاقتصاد، أو يريدون فحسب التفوه بما يفكرون فيه ليخدموا مصالح الحزب الجمهوري في لحظة بعينها.
لا شيء من هذا بالتأكيد جديد. فقد حدث هذا منذ وصول أوباما إلى البيت الأبيض في غمرة أسوأ أزمة اقتصادية خلال 80 عاماً. لذا لا غرابة في أن «آرت لافير»، الاقتصادي المحافظ الذي حصل مؤخراً على الميدالية الرئاسية للحرية عن دوره في نشر الفكرة الخاطئة والقائلة بأن تقليص الضرائب قد يغطي نفسه، قد عاد في الشهور القليلة الماضية إلى الادعاء بأن أوباما هو المتسبب في الأزمة الاقتصادية العالمية. فقد صرح لافير لشبكة «فوكس نيوز» قائلاً إنه يعتقد بأن أوباما «كان السبب في حدوث الركود الكبير لدينا». وهذا الكلام يضرب مثالاً صارخاً لقلب العلاقة بين العلة والمعلول. وقد قال لافير إن أوباما «مع اقترابه من الفوز انهارت الأسواق». ومن جانبه، ذكر تشارلز باين، المضيف في «فوكس بزينس» شيئاً شبيهاً بهذا، قبلها ببضعة أيام، حين زعم أن الهرولة إلى بيع التصفية في نهاية عام 2008 وبداية 2009 كانت رد فعل تلقائي من وول ستريت على احتمالات تولي أوباما الرئاسة!
يصعب علينا أن نصدق بأننا في حاجة لقول التالي، لكننا مضطرون لهذا فيما يبدو: انتخاب أوباما عام 2008 لم يتسبب في أن تبتكر البنوك آلات زمن تمكنها من العودة قهقراً في الزمن لتقدم الكثير جداً من القروض السيئة عام 2005. وكما يتذكر كل شخص لا يعمل في «فوكس نيوز» أنه كانت هناك فقاعة إسكان هائلة في ذلك الوقت، وكان سببها اعتماد معايير إقراض سيئة ومتساهلة. ولم تكن المشكلة مجرد وجود عدد كبير من الخاسرين حين ساءت الأمور بلا مفر، بل عدم وضوح المسؤول عن أي مقدار منها. والنتيجة كانت هرولة إلى سحب الأموال من البنوك على امتداد العالم، إذ كانت هناك فقاعات في دول أخرى أيضاً، وهذا دفع الاقتصاد العالمي إلى حافة الانهيار الكامل.
والأمر يستحق التمهل لدقيقة للتفكير في مدى عبثية هذا التاريخ البديل للجناح اليميني. ووفقاً لـ«لافير» نفسه، لم تكن الأزمة ناتجة فعلياً عن مخاوف الناس من أن النظام المالي قد يتدهور، لكن من خوفهم جراء احتمال ارتفاع نسبة الضرائب المفروضة عليهم. إنها نظرية بلا معنى. فإذا كانت الأسواق قد انهارت بسبب وحيد، وهو أنها خشيت من قائمة أولويات أوباما التي تعيد توزيع الأعباء، فما السبب الذي جعلها تتعافى لتسجل رقماً قياسياً مرتفعاً حين بدأ فعلياً تطبيق قائمة الأولويات تلك؟ وإذا كان هذا يتعلق فعلاً وبشكل كامل بالسياسة الضريبية الأميركية، فلماذا انهارت الأسواق في باقي العالم أيضاً؟ فهل انهارت آيسلندا عام 2008 بسبب تداعيات ارتفاع أعلى شريحة من الضرائب في الولايات المتحدة من 35% إلى 39.6%؟
هذه الأسئلة تجيب عن نفسها إذا أراد المرء ذلك. لكن المشكلة أن كثيراً من المحافظين لا يريدون ذلك، ولا يرغبون في الاعتراف بأن الأسواق تفشل أحياناً، وبأن تقليص الضرائب على الأغنياء ليس نوعاً من الترياق الاقتصادي. أو ربما لا يريدون قول أي شيء قد يقوض ما يبدو أنه واحدة من أكبر حجج ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وهي أن الأسهم قد تنهار «بطريقة لم تشهدها من قبل» إذا اُنتخب ديمقراطي ليحل محله. ولذا يقولون إن هذا حدث من قبل حتى إذا كان ما يقولونه يمثل محاولة لتحريف الحقيقة بأكثر الوسائل تناقضاً مع التاريخ.

*صحفي متخصص بالشؤون الاقتصادية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»