رغم أن تخصص الدكتورة أنيسة فخرو هو علم النفس، إذ هي حاصلة على بكالوريوس علم النفس والاجتماع والفلسفة وماجستير التربية الخاصة ودكتوراه علم النفس النمائي، فإن شهرتها الكبيرة جاءت نتيجة تبحرها في عالم الحكاية الشعبية. فقد قضت أكثر من 10 سنوات من عمرها في جمع وترتيب وصياغة الحكايات التراثية، لتصبح في مملكة البحرين صاحبة الإنتاج الأغزر من الحكايات والأدب الشعبي وأحد أهم رواد الكتابة في هذا المجال، إضافة إلى تقديمها العديدَ من الأبحاث والدراسات في المجالات الاجتماعية والتربوية وشؤون الطفل والمرأة ومشاركتها في كثير من الورشات والمؤتمرات الثقافية والاجتماعية، مثلما كانت لها عطاءات ممتدة في العمل التطوعي والمجتمعي.
حصلت فخرو على عدد وافر من الجوائز والتكريمات خلال مسيرتها المهنية والأدبية، من أهمها: جائزة العمل التطوعي (1995)، وشهادة من وكالة «ناسا» باختيارها شخصية تمثل مملكة البحرين (2004)، وجائزة اليوم العالمي للكتاب في مملكة البحرين للباحث الأكثر إنتاجاً وغزارةً في الكتابة (2006)، كما تم تكريمها في عام 2018 من ملتقى الشارقة الدولي للراوي في دورته الـ18 عن مجمل أعمالها التراثية وبالأخص: «حزاوي أمي شيخة.. أحلام الطفولة». وكانت الدكتورة فخرو قد أنجزت هذا العمل على مدى أربع سنوات (من 2006 إلى 2010)، وأصدرت أربعة أجزاء منه. ويحتوي كل جزء على 25 حكاية شعبية، ما عدا الجزء الأخير، فإنه يحتوي على 26 حكاية بمجموع «مئة حكاية وحكاية» على غرار «ألف ليلة وليلة»؛ تمثل تراث البحرين والخليج وعدة بلدان عربية تم استنباط القصص والحكايات منها. هذا، وتمتد القصص التي تعود جذورها لنحو 500 سنة وأكثر، من البصرة إلى سواحل عُمان، حيث حاولت الكاتبة جاهدة استخراج الحكمة أو المقصد من الحكاية، مؤكدةً اهتمامها بالمحافظة على روحها، متبعةً أسلوب الكتابة المبسطة لسرد الحكايات الشعبية لكي تصل إلى الكبير والصغير، مبديةً حرصها الدائم على عدم الابتعاد عن اللهجة العامية في الحوار، فضلاً عن وضع هوامش لما تعنيه الكلمات العامية باللغة العربية. ويحتوي كتاب الدكتورة فخرو هذا -الذي يصنف ضمن الدراسات الأنثروبولوجية- على أكثر من 130 لوحة فنية تعبر عن الحكايات السردية، تم رسمها من قبل 4 فنانين بحرينيين متمرسين، علماً بأن المحرك الأساسي للقصص، حسب قولها، انطلق من الواقع الاجتماعي الذي كان سائداً خلال تلك الفترة في البحرين، وكان يغلب عليه الفقر والعوز.
وهنا لا بأس من التنويه إلى أن تكريم «ملتقى الشارقة» للدكتورة فخرو كان قد حظي بتهنئة هاتفية للكاتبة من عاهل البحرين وقرينته، والإشادة بجهودها في عالم التراث، ومسيرتها في حفظ وتوثيق التراث البحريني.
لقد زخرت مسيرة الدكتورة أنيسة فخرو الكتابية بالعديد من المؤلفات المميزة التي لم تقتصر على المجال الاجتماعي والتربوي، وإنما امتدت لتغطي المجال الأدبي القصصي والشعري. ولعل من أبرز مؤلفاتها: سلسلة (ضوء)، التي كانت أولى إصداراتها في عام 2005، وتتكون من خمسة أجزاء، أولها: «التربية والإبداع.. ضوء النفس»، وثانيها: «الثقافة والإبداع.. ضوء الروح»، وثالثها: «قضايا اجتماعية.. ضوء القلب»، ورابعها: «قضايا سياسية: العشب والروح العاتية.. ضوء العقل»، وخامسها: «ضوء الرأي». والأخير عبارة عن توثيق لمرحلة سياسية مهمة في تاريخ الوطن العربي منذ بداية القرن الحادي والعشرين. هذا بالإضافة إلى «حزاوي أمي شيخة.. أحلام الطفولة» بأجزائه الأربعة، الذي ذكرناه آنفاً.
وفي عام 1994، أعدت الدكتورة أنيسة فخرو دراسة عن تجربة الكتابة الأدبية في البحرين تحت عنوان «مظاهر العملية الإبداعية في تجربة الكتابة الأدبية بالبحرين»، وهي دراسة جديدة وفريدة من نوعها. وقد أشاد بها الدكتور محمد جابر الأنصاري حين قدم الكتاب بعبارة «تصدير علمي»، مشيداً بجهدها الإبداعي من خلال قيامها بهذه الدراسة البحثية في مجال الأدب، حيث قال: «.. ومن منطلق تخصصها الأكاديمي في ميدان التفوق ودراسة مكونات الإبداع ومحفزاته لدى المبدعين في المجال التربوي، عملت الدكتورة فخرو على تطبيق بعض نتائج دراستها على حالات المبدعين من أدباء الحركة الأدبية في البحرين، من خلال استبيان مباشر يتضمن العديد من الأسئلة المعدة بعناية في ضوء الدراسات الإبداعية الحديثة، وهو مجال لم يطرق من قبل في مجال البحوث الأدبية البحرينية بشكل منهجي متكامل..». ويرتكز كتابها هذا على تحليل لمجموعة من الأسئلة قدمتها لبعض الأدباء البحرينيين، انطلاقاً من تجاربهم الذاتية في الكتابة والتأليف، وبخاصة كتاب القصة والشعر. وهنا، تحدثت الكاتبة عن عوامل ومعايير الإبداع الأدبي، وعن دوافع الاستمرارية في الكتابة، وعن الحالة الشعورية والجسدية للكاتب أثناء الكتابة، وحول علاقة الأدباء بالواقع. ثم ختمت كتابها بعلاقة الكاتب والكاتبة بالجنس الآخر. ومع أن هذا الموضوع لم يكن ضمن الأسئلة التي قدمتها لتلك المجموعة من الأدباء البحرينيين، فإن أغلب الأدباء فرضوه على البحث، حيث تلمست الكاتبة من إجاباتهم، أن المرأة هي الكتابة بالنسبة لهم، وأن الكتابة جسد أحياناً وروح أحياناً أخرى: روح المرأة وجسدها.