يعد النقاش حول الاشتراكية، بين مؤيد ومعارض لها، قضية ساخنة داخل دوائر الحزب الديمقراطي الأميركي في الوقت الحالي، بينما يستعد المتسابقون على ترشيح الحزب لانتخابات الرئاسة لخوض المناظرات الداخلية الأسبوعَ القادم.
وفيما يخص الاعتراض الواضح للجميع والقائل بإن الاشتراكية فشلت بشكل كارثي في فنزويلا والاتحاد السوفييتي، فإن الاشتراكيين الديمقراطيين لديهم إجابة جاهزة: إن نموذجنا هو الدول المزدهرة في شمال أوروبا.
وفي شهر أبريل الماضي، تحدث السيناتور «بيرني ساندرز» (مستقل –فيرمونت)، أمام حشد من مؤيديه في ولاية إيوا، وقال: «أعتقد أن دولاً مثل الدنمارك والسويد تبلي بلاءً حسناً». وفي يناير الماضي أيضاً، دافعت النائبة «ألكسندريا أوكاسيو-كورتز» (ديمقراطية –نيويورك) عن نهجها الاشتراكي وقالت: «إن سياساتي تشبه، إلى حد كبير، ما نشهده في المملكة المتحدة والنرويج وفنلندا والسويد».
وبلا شك، فإن الدول الاسكندنافية، بدخولها المرتفعة وتدني عدم المساواة لديها، وفي ظل السياسات الحرة وسيادة القانون القوية.. تمثل قصص نجاح جذابة وملهمة. ومع ذلك، فإن علاقة ذلك النموذج بالاشتراكية هي مسألة فيها نظر.
ووفقاً لتقرير جديد، أعده المحللون في «جي بي مورجان تشيز»، فإن السمات الاشتراكية لنموذج الاسكندنافي «ليست كبيرة». واستناداً إلى بيانات من البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وغيرهما من المصادر الموثوقة، يوضح التقرير أن خمس دول من شمال أوروبا، وهي السويد والدنمارك وفنلندا والنرويج وهولندا، تحمي حقوق الملكية بقوة أكبر من الولايات المتحدة، في المتوسط، وهي أيضاً تمارس سيطرة أقل على المشاريع الخاصة، وتسمح بزيادة التركيز في القطاع المصرفي وتوزع حصة أقل من إجمالي دخلها على العمال.
«يمكنك نسخ النموذج الاسكندنافي إذا أردت، لكن ينبغي أن تدرك أنه ينطوي على كثير من الرأسمالية والسياسة المؤيدة للأعمال، وفرض الكثير من الضرائب على إنفاق وأجور الطبقة المتوسطة، والحد الأدنى من الاعتماد على ضرائب الشركات، والكثير من رسوم التأمين الصحي والخصومات في نظام الرعاية الصحية»، بحسب ما ورد في التقرير.
ويعِد ساندرز وغيره من الديمقراطيين من ذوي الميول اليسارية، بدفع تكاليف التعليم الجامعي والرعاية الطبية للجميع، من خلال زيادة الضرائب المفروضة، على أعلى 1% من أصحاب الدخول. وعلى النقيض من ذلك، فإن معظم الدول الاسكندنافية لا تفرض أي ضريبة على العقارات. وهي تمول برامج سخية بمساعدة ضرائب القيمة المضافة، التي تؤثر بشدة على المستهلكين من الطبقة المتوسطة.
وذكر التقرير أنه في السويد، مثلاً، يبلغ إجمالي ضرائب الاستهلاك والضمان الاجتماعي والرواتب 27% من إجمالي الناتج المحلي، مقارنةً بـ10.6% في الولايات المتحدة. وحاولت الدول الاسكندنافية فرض ضرائب مباشرة على الثروة، كتلك التي تبرز في خطط السيناتورة الديمقراطية «اليزابيث وارين»، لكنها كلها، عدا النرويج، تخلت عنها بسبب مشاكل التنفيذ.
وقد يكون استخدام الدول الاسكندنافية لرسوم التأمين الصحي والخصومات في نظام الرعاية الصحية، لافتاً للأنظار بالنسبة لأي شخص يفكر في خطة ساندرز لتوفير الرعاية الطبية للجميع، التي يطرحها المرشح الرئاسي، في محاولة لجعل الولايات المتحدة تتماشى مع المعايير الأوروبية. وتستخدم خطته مجموعة شاملة من المزايا التي تمولها الحكومة، من فحوصات الأسنان إلى الجراحات الكبرى، لا توفرها دول الشمال الأوروبي.
ويركز نظام التأمين الصحي في هولندا على تفويض يشبه «أوباما-كير» لشراء خطط خاصة، ويواجه الأفراد خصومات سنوية، تبلغ 465 دولاراً (اعتباراً من 2016)، وفقاً لصندوق الكومونولث في بوسطن.
وفي عام 2016، كان الإنفاق الشخصي على الرعاية الصحية في هولندا، يمثل 11% من إجمالي النفقات الصحية، وهي نفس النسبة في الولايات المتحدة، أما في السويد فكان الإنفاق الشخصي يمثل 15% من النفقات الصحية، فمن يعرف هذا؟
إن الدول الاسكندنافية سخية لكنها ليست غبية. وهي تدرك أنه لا يوجد ما يسمى بالرعاية الصحية «المجانية»، وهذا يتطلب من المرضى بعض المخاطرة المادية، في شكل تقاسم للتكاليف.
وفي الشهر الماضي، قال ساندرز، خلال منتدى نظمته جماعات حقوق المهاجرين في كاليفورنيا: «علينا الانضمام إلى بقية العالم الصناعي وضمان توفير الرعاية الصحية للجميع».
والواقع، أن كل الدول الاسكندنافية تسجل المهاجرين غير الشرعيين في خططها الصحية القومية على قدم المساواة مع المقيمين بشكل قانوني.
إن دول شمال أوروبا بعيدة كل البعد عن الكمال، كما تبين مؤخراً في سقوط حكومة فنلندا، بسبب إصلاحاتها المقترحة للنظام الصحي المضطرب مالياً في البلاد. وإذا كانت هذه الدول قد أنشأت شيئاً مهماً، فهو بالتأكيد ليس الاشتراكية، ولا حتى هيمنة دولة خيّرة، وإنما هو الحكم المسؤول.
وما لا تفعله الدول الاسكندنافية، هو التظاهر بأن المجتمع يمكن أن يكون لديه شبكة أمان اجتماعي قوية وفعالة، دون مساهمة مالية إلزامية كبيرة من الطبقة المتوسطة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»