من الصعب جداً أن تكتب عن صفات من يرحل تاركاً وراءه سمعة طيبة ومحبة من الجميع، إلا أن تعزية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في وفاة الأستاذ جاسم إبراهيم بوشعر أثارت الكثير من ردود الأفعال الجميلة لمعنى الوفاء والتي هي صفة إنسانية معبرة تنم عن التواضع والإخلاص والشهامة.
الأستاذ جاسم بوشعر إضافة إلى كونه مدرساً مخلصاً في عمله، فإنه شخصية نادرة يتميز بروح إنسانية راقية، فقد جمعتنا جيرة وفريج واحد ونادٍ رياضي وذكريات طفولة لا تنسى، حيث يتيح ذلك التنويه إلى بعض خصال هذه الشخصية الفريدة التي كان الجميع ينظر لها باحترام شديد، فالأستاذ جاسم كان يتميع بكاريزما هادئة تفرض احترامها أينما حلت، مما جعله يُنتخب رئيساً للنادي العربي، حيث كرس جهده ووقته لخدمة النادي الناشئ، وبفضل موهبته الإدارية حقق النادي نقلات نوعية لينتقل من صفوف الدرجة الثالثة إلى إحراز بطولة دوري الدرجة الأولى في فترة زمنية قصيرة.
والى جانب الإدارة تمتع بحس إنساني راق، إذ أذكر جيداً عندما كُسرت ذراعي في إحدى مباريات فريق الشباب بالنادي كيف أصر إلى جانب مدرب الفريق الأستاذ محمد عبدالملك -وهو شخص يحمل نفس الخصال الجميلة- على الذهاب معي إلى المستشفى والبقاء إلى وقت متأخر من المساء حتى الانتهاء من تجبير الكسر والعودة للمنزل وإرسال من يطمأن العائلة. لقد كان بإمكانه باعتباره رئيسا للنادي أن يكلف أحد أعضاء الإدارة بمرافقتي، إلا أن شعوره الأبوي جعله يرفض ذلك.
لقد كان الأستاذ جاسم منصفاً في تعامله مع الجميع ومراعياً لهم، كأب، وباذلاً كل جهد لتذليل أي مصاعب رغم الإمكانات المتواضعة في ذلك الوقت. ومن بين الأمور التي لفتت انتباهي أنه من الأشخاص القليلين الذين لم أسمع في يوم من الأيام أحد يذمهم أو يشير إليهم بكلمة غير مناسبة، فقد كان متسامحاً ومتغاضيا عن صغائر الأمور.
أثناء دراستنا الابتدائية قدم مجموعة من أساتذة المستقبل بهدف التأهيل، كمدرسين، وكم كانت فرحتنا عندما رأينا من بينهم الأستاذ جاسم بوشعر باعتباره أحد أبناء فريجنا، فالوصول للتدريس كان له شأن كبير، كما أن للمدرس مكانة خاصة - وهو الأمر الصحيح- وبمجرد العودة للمنزل نقلنا الخبر المفرح للعائلة بفخر بترقي الأستاذ جاسم، كمدرس للغة العربية، إذ كان من أوائل المدرسين المؤهلين في منطقتنا.
في إحدى زياراتي إليه بمنزله اطلعني على الصورة المعبرة التي يعتز بها، والتي تجمعه مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بمدرسة الكندي، والتي أعيد نشرها مؤخراً على موقع سموه مع سرده لذكريات جميلة عن أبوظبي التي يحبها مع ما يحمله لها من ذكريات رائعة، وبالأخص إعجاب الاستاذ جاسم الشديد بتواضع وعدالة وحكمة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه – إذ كم تمنيت لو تم تدوين هذه الذكريات في كتاب لأنها تعبر عن زمن جميل تميز بالتواضع والطيبة والبساطة والمحبة، كما كان كثير الاستفسار عن الأماكن والتطورات، التي حدثت في السنوات الأخيرة بأبوظبي التي كان يسعده تطورها السريع.
في آخر زيارة لي لمنزله رحب بقلب صادق وحميمية، إلا أنني أحسست بأن هناك شيئاً ما على غير ما يرام، فالوضع الصحي يتدهور رغم الاهتمام الذي تحيطه به عائلته وأصدقائه. الأستاذ جاسم بوشعر بشخصيته وأخلاقه العالية لا يمكن أن تمر عليك ذكراه مرور الكرام، بل إن الذكريات معه محفورة في عمق الذاكرة، فقد كان أستاذَنا وتعلمنا منه الشيء الكثير، بل وحتى بعد تخرجنا من الجامعة، كنا نلجأ إليه في الأمور الخاصة باللغة العربية والذي كان مرجعاً في قواعدها. رحم الله أبو هيثم واسكنه فسيح جناته.
*مستشار وخبير اقتصادي