كثر التأليف في حياة الأنبياء ضمن علم تاريخ الأديان، سواء تاريخ أنبياء بني إسرائيل أو تاريخ يسوع المسيح عليه السلام. واختلطت سير بعض الأنبياء بأقوالهم، حتى أنه يصعب في بعض الأحيان فصل أقوال يسوع عن حياته. لكن في العلوم النقلية الإسلامية تم الفصل بين علم الحديث الشريف وعلم السيرة النبوية؛ فعلم الحديث للأقوال، وعلم السيرة للأفعال.
لم تحفظ أقوال الأنبياء بالقدر الذي تم به حفظ سيرهم، ولأن الأقوال لم تُجمع فقد تفرقت رواياتها، فكانت مجموعة «أقوال وأفعال المسيح» التي تألفت منها الأناجيل الثلاثة المعروفة؛ متى ومرقص ولوقا. أما الإنجيل الرابع، وهو إنجيل يوحنا، فله مصادره الخاصة من الدوائر الصوفية في آسيا الوسطى بالإضافة إلى فعل الخيال، إذ لا تتفق أقوال المسيح وأفعاله في ذلك الإنجيل مع أقوال المسيح وأفعاله في الأناجيل الثلاثة الأخرى، لذلك سميت هذه الأناجيل المتقابلة، وهي تطبع في ثلاثة عواميد متوازية لمعرفة أوجه التشابه والاختلاف بينها، في حين يطبع الإنجيل الرابع تحتها في نفس الموضوع، لكن بأقوال مختلفة، لمعرفة مدى الاختلاف شبه الكلي بين الأناجيل الثلاثة المتقابلة والإنجيل الرابع. فالأناجيل شهادات شخصية أكثر منها روايات تاريخية، صدقُها في تطابقها مع التجربة الإنسانية، وليس بالضرورة في تطابقها مع الواقع التاريخي. فالألوهية تعني التعالي، والبعث يعني النهضة. وهناك طريق ثالث بين المدرسة التاريخية والمدرسة الأسطورية، ألا وهو المدرسة النقدية التي تطورت إلى المدرسة الظاهراتية.
ومما يشجع على اكتشاف بنية الرحلات الرسولية أن الرسل تتوالى في العهد القديم لتمثل وحدة واحدة؛ أي سلسلةً متصلة من آدم عليه السلام حتى محمد صلى الله عليه وسلم. لهم جميعاً رسالة واحدة، ألا وهي التوحيد، وغاية واحدة، ألا وهي تحرير البشر وتأسيس الحياة على التقوى والعمل الصالح. وهذا هو الوعد الإلهي الروحي، وتحقيقه في الخلاص.
وقد تحدث القرآن الكريم عن الأنبياء السابقين باعتبارهم حاملي دعوة الإسلام ذاتها، في دلالة واضحة على أهمية الاستفادة من التجارب السابقة والتعلّم من دروس التاريخ. والتاريخ الرمزي وسط بين التاريخ الأسطوري والتاريخ الواقعي. قد تظهر بعض الآيات من قصص الأنبياء في القرآن كوسائل للتعبير على مستوى القول بالأساس. كما تستعمل هذه القصص كوثيقة تاريخية لم يصبها التحريف نظراً لتدوينه منذ لحظة الإعلان وعدم مروره بفترة شفاهية قد يتغير فيها منطوق النص، وذلك خلافاً للكتب المقدسة السابقة التي أصابها ما أصابها نظراً لمرور فترة شفاهية بين ساعة الإعلان وساعة التدوين، وهي فترة تمتد بين أربعين عاماً ومائة عام في حالة الإنجيل، وحوالي ستمائة عام في حال التوراة. فقد عاش موسى في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، في حين تم التدوين عنه في القرن السابع قبل الميلاد بفضل الكاتب عزرا أثناء الأسر البابلي، وذلك خوفاً من ضياع التراث اليهودي واندثاره. لذلك عظّمه اليهود واعتبروه ابن الله «عزير»، كما جاء في القرآن.
والقصص القرآني ليس فقط رواية تاريخية أو مجرد عِظةً وعِبرة، بل هو أيضاً نموذج في بلاغة التعبير وقدرة التأثير على المستمع أو القارئ. أما قصص الأنبياء في العهدين القديم والجديد فهي روايات إخبارية عما وقع في التاريخ، وهي تشارك القصص القرآني في أنها استشهاد بها لما يحدث في الحاضر. فالحاضر تصديق للماضي، والماضي يصب في الحاضر. القصص القرآني جزء من تاريخ الأدب العربي، في حين أن قصص الأنبياء في العهدين القديم والجديد جزء من تاريخ بني إسرائيل. ودراسة أشكالها الأدبية ليست لمعرفة جماليات الأسلوب والتصوير، بل لمعرفة مدى صدقها التاريخي. لذلك فهي مادة مهمة لمناهج النقد التاريخي الحديث حول الكتب المقدسة.

*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة