سعى رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» إلى إقامة علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة منذ وصوله إلى السلطة خلال الأعوام الخمس الماضية. وعلى رغم من أنه ليس ثمة شك في أن هناك كثيراً من مجالات التقارب بين البلدين، إلا أن منع العمل بالإعفاءات الجمركية على عدد من السلع الهندية، في إطار سعي واشنطن إلى الحصول على وصول أكبر للشركات الأميركية إلى الأسواق الهندية، بدا نغمة متنافرة في لحن العلاقات المزدهرة بين الطرفين.
وشطب الرئيس دونالد ترامب الهند من قائمة الدول النامية المستفيدة بموجب برنامج المعاملة التجارية التفضيلية المعروف باسم «برنامج نظام التفضيلات المعمم»، بداية من الأسبوع الماضي.
وبحسب بيان للبيت الأبيض، توصل ترامب إلى أن الهند، التي وُضعت على قائمة البرنامج عام 1975، أخفقت في طمأنة الولايات المتحدة بشأن تقديم «دخول منطقي وعادل إلى أسواقها»، وهو ما يفضي إلى عجز تجاري يصب في مصلحة الهند. وحاولت واشنطن دفع الهند إلى فتح أسواقها بصورة أكبر أمام الشركات الأميركية، لاسيما في مجالات مثل منتجات الألبان والأجهزة الطبية وتوفير مناخ عمل أكثر ملائمة لشركات التجارة الإلكترونية. وفي مجال التجارة الإلكترونية على سبيل المثال، وصفت واشنطن السياسات الهندية بالتمييزية بسبب اشتراطات توطين البيانات لشركات التجارة الإلكترونية.
ويتسق ذلك مع غضب الرئيس ترامب الشديد من العجز التجاري الأميركي، وهو ما استدعى بالفعل تحركاً ضد الصين بسبب عجز الميزان التجاري معها. وهناك دول أخرى من المتوقع أن يتخذ ترامب إجراء ضدها على الجبهة التجارية مثل المكسيك والمملكة المتحدة.
بيد أن الخطوة التي اتخذها الرئيس ترامب تضع رئيس الوزراء الهندي تحت ضغط من أجل الموازنة بين التوقعات الأميركية والضغوط المحلية، خصوصاً من صغار التجار، الذين يشكلون قاعدة تأييد رئيسية لحزبه ويعارضون أي توسّع لشركات مثل «وولمارت» ويتوقعون حماية من شركات التجارة الإلكترونية الكبرى مثل أمازون. لذا، سيشكل هذا القرار تحدياً كبيراً لـ«مودي». فقد هدّد ترامب بمزيد من الإجراءات من أجل خفض عجز الميزان التجاري مع الهند، ومن المتوقع أن يُصعد من حالة التوتر في العلاقات بين البلدين. وقد بلغت التجارة الثنائية بين البلدين من البضائع والخدمات زهاء 142.1 مليار دولار. وبدأ العجز التجاري في التراجع منذ وصول ترامب إلى السلطة، وانخفض من 22.9 مليار دولار في 2017 إلى 21.2 مليار دولار عام 2018.
وعلى رغم من ذلك، تمضي العلاقات بين البلدين في مجالات أخرى في مسار صعودي، خصوصاً الأمن والدفاع، حيث وقع البلدان إطار عمل قانوني لنقل معدات عسكرية بتكنولوجيا متطورة. وتعهدا أيضاً بالعمل عن كثب في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وسط مخاوف متبادلة بشأن الصعود الصيني. وفي الحقيقة، لا يزال الدفاع مرساة في العلاقات بين واشنطن ونيودلهي. ومن ثم، تعتبر هذه منطقة نفوذ للهند، فقد زادت صادرات الولايات المتحدة إلى نيودلهي بمعدل يزيد على 550 في المئة، لتصبح ثاني أكبر مصدر للأسلحة إلى الهند، حيث أظهرت التقارير أن الولايات المتحدة أصبحت ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى الهند عامي 2013 و2017، مقارنة بالأعوام الخمسة السابقة.
وجاء ردّ الهند على قرار الرئيس ترامب في بيان رسمي نهاية الأسبوع الماضي، أكّدت فيه رغبتها في «إيجاد طريقة مقبولة للطرفين من أجل المضي قدماً». ويشي ذلك بوضوح بأن نيودلهي ترغب في ألا تُخيّم النزاعات التجارية على تعزيز العلاقات مع أميركا. ولدى الهند الآن خياران رئيسيان على الأقل: فإما أن تعود إلى مائدة التفاوض أو أن تتجه إلى فرض رسوم جمركية انتقامية على 29 بنداً تستوردها من الولايات المتحدة تشمل الجوز والعدس وحمض البوريك. وقد أفاد رئيس مجلس الترويج التجاري الهندي أن نيودلهي يمكن أن تفرض رسوماً جمركية انتقامية بداية من الشهر المقبل، وهو ما يعني عبئاً إضافياً بقيمة 290 مليون دولار سنوياً على الأشياء المستوردة من الولايات المتحدة إلى الهند.
وفي حين يبقى ذلك خياراً، إلا أنه حتى الآن ليست ثمة دلالات من الهند على أنها ترغب في أي تصعيد في المجال التجاري وأنها تفضل العودة إلى مائدة التفاوض للبحث عن سبيل للخروج من الأزمة. وعلى أي حال، من المتوقع أن يكون تأثير تحرك واشنطن محدوداً في الوقت الراهن، حيث سيؤثر على قطاعات محددة فقط مثل المجوهرات المقلدة والبضائع الجلدية ومكونات السيارات والمنتجات الدوائية والأغذية المعالجة.
وعلى رغم من ذلك، بحسب اتحاد منظمات التصدير الهندية، استفاد المصدرون بنحو 260 مليون دولار فقط من إجمالي قيمة التجارة الثنائية البالغ 51.4 مليار دولار، لكن تبقى الحقيقة أن المصدرين في قطاعات محددة مثل المجوهرات ومواد البناء والخلايا الشمسية والأغذية المعالجة سيتأثرون. وسيواجهون زيادة الرسوم الجمركية الأميركية بنسبة تصل إلى 10 في المئة، وسيكون من الصعب عليهم بلا شك استيعابها.
لكن في نهاية المطاف، كان واضحاً أن المعاملة التفضيلية من قبل الولايات المتحدة ستنتهي في ضوء التحذيرات التي وجهتها مسبقاً. وستتأثر منتجات محددة، وستكون هناك مشكلة إذا تمكن المنافسون من البيع بأسعار أقل. وسيتعين على المصدرين البحث عن أسواق بديلة.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي