لقد تم تجنب وقوع أزمة –على الأقل بالنسبة للآن. ففي مساء يوم الجمعة، أصدر الرئيس دونالد ترامب إعلاناً على تويتر، ذكر فيه أن الولايات المتحدة لن تفرض رسوماً جمركية على الواردات القادمة من المكسيك بعد أن توصلت الدولتان لتفهم بشأن ما يجب فعله حيال تدفق المهاجرين القادمين من أميركا الوسطى.
وتعهدت حكومة الرئيس المكسيكي «أندريس مانويل لوبيز أوبرادور» بنشر الآلاف من القوات الإضافية على الحدود مع جواتيمالا واستضافة العديد من المهاجرين من طالبي اللجوء في الولايات المتحدة داخل حدود المكسيك. وجاء الاتفاق بعد تسعة أيام من تهديد ترامب بفرض تعريفة جمركية بنسبة 5% على البضائع المكسيكية، إذا لم تقم الدولة المجاورة للولايات المتحدة بقمع تدفق المهاجرين القادمين من بلدان في الجنوب الأبعد، خاصة الهندوراس وجواتيمالا. وحذر ترامب من أن معدل التعريفة سيرتفع لتصل إلى 25% إذا فشلت المكسيك في الاستجابة لمطالبه.
ويبدو أن احتمال حدوث هذا السيناريو المتطرف – واحتمال نشوب حرب تجارية مزعزعة للاستقرار تضرب كلا الجانبين – قد تضاءل.
وقال ترامب في تغريدته: «إن الرسوم الجمركية المقرر تنفيذها من قبل الولايات المتحدة يوم الاثنين الماضي، ضد المكسيك، قد تم تعليقها بناء على ذلك إلى أجل غير مسمى». «والمكسيك، بدورها، وافقت على اتخاذ إجراءات قوية لوقف موجة الهجرة إلى المكسيك، ولحدودنا الجنوبية».

وقد أشاد مؤيدو ترامب وحلفاؤه «الجمهوريون» بمجازفته السياسية. وقال السيناتور ماركو روبيو (جمهوري –فلوريدا) في بيان: «في حين أنني لا أؤيد عموماً فرض التعريفة الجمركية... إلا أن عدم التزام المكسيك عندما يتعلق الأمر بمعالجة أزمة الهجرة الخطيرة وغير المستدامة على حدودنا الجنوبية لم تترك لهذه الإدارة خياراً آخر». وأضاف: «من خلال ممارسة أقسى قدر من الضغط ومطالبة إدارة لوبيز أوبرادو باتخاذ إجراءات حاسمة، حصل الرئيس ترامب على انتصار مهم نيابة عن الشعب الأميركي».
ومع ذلك، كان الديمقراطيون أقل إعجاباً بتنمر ترامب. وقالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي:«إن التهديدات ونوبات الغضب ليست وسيلة للتفاوض في السياسة الخارجية».
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، شعر ترامب باستياء إزاء أي تقارير تتجاهل انتصاره المفترض. وكان غاضباً بشكل خاص من تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» يدعي أن معظم التزامات المكسيك قد تم التفاوض عليها بالفعل قبل تهديده بفرض رسوم جمركية.
وقالت الصحيفة في تقريرها: «لقد تعهدت الحكومة المكسيكية بالفعل [بنشر المزيد من القوات على طول حدودها الجنوبية] في شهر مارس خلال محادثات سرية في ميامي بين «كريستين نيلسين»، وزيرة الأمن الداخلي في ذلك الوقت، و«أولجا سانشيز»، وزيرة الداخلية المكسيكية. وأضافت الصحيفة أن «محور اتفاق ترامب كان يتمثل في توسيع برنامج يسمح لطالبي اللجوء بالبقاء في المكسيك أثناء متابعة أوضاعهم القانونية. بيد أن هذا الترتيب تم التوصل إليه في شهر ديسمبر في مذكرتين دبلوماسيتين تم تبادلهما بين الدولتين بعد التفاوض عليهما بشق الأنفس».
وألمح ترامب أيضاً إلى أن المكسيك قد وافقت على تقديم مزيد من التنازلات أكثر مما تم الكشف عنه علناً، وقال في تغريدة إن المزارعين الأميركيين –الذين تأثروا بشدة جراء حربه التجارية مع الصين –سيحصلون على دعم من المشتريات المكسيكية الإضافية.
لكن المسؤولين المكسيكيين الذين تحدثوا إلى بلومبيرج نيوز أنكروا وجود «اتفاق جانبي» منفصل، وأشاروا إلى أن المحادثات التي استمرت ثلاثة أيام خلال الأسبوع الماضي لم تتطرق إلى الزراعة.
وفي المكسيك، نجح «لوبيز أوبرادور» في اجتياز العاصفة الترامبية وحشد الرأي العام إلى جانبه. وكتب «لويس بيتيرسون فرح»، كاتب عمود في صحيفة ميلينيو، «مرة أخرى، قام دونالد ترامب بتوحيد المكسيك. فقد استطاع، من خلال تهديداته الجديدة، أن يضع حتى أقوى وأشهر منتقدي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور إلى جانبه.
ومن ناحية أخرى، لم يعد تدفق المهاجرين محتملاً على جنوب الحدود الأميركية. فقد كتب زملائي في مكسيكو سيتي «أصبح الجمهور المكسيكي أقل تعاطفاً إلى حد كبير مع المهاجرين بعد عبور عدة قوافل ضخمة البلاد منذ مطلع الصيف الماضي. وعندما هدد ترامب بإغلاق الحدود مع المكسيك، طرحت صحيفة «إل يونيفيرسال» اليومية سؤالاً في استطلاع للرأي عما يجب أن تفعله الحكومة المكسيكية. وقال أكثر من 50% من المشاركين إنها يجب أن تمنع المهاجرين. وقال أقل من 25% إنها عليها مواجهة ترامب».
بيد أن حرص ترامب على الفوز بانتصار أساسي – حيث أرسلت حملته رسالة بالبريد الإليكتروني لجمع التبرعات احتفالا بـ «فن الصفقة» ووفاء الرئيس بوعوده «بإنهاء الهجرة غير الشرعية» – يشير إلى الأوقات الصعبة التي ستأتي إذا لم تستطع المكسيك أن تفي بتوقعاته.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»