قديماً، كان ينظر للقارة الأفريقية على أنها موطن الفقر والتخلف والفساد، في ظل انقلابات عسكرية لا تنتهي، وثروات غزيرة وإن كانت لا تنضب فإنها منهوبة، في ظل إرث استعماري قيل إنه متجذر. ومنذ عشرين عاماً مضت وحتى اليوم، نرى أفريقيا أخرى مليئة بالأمل والفرص والاستثمارات والتكنولوجيا.. فقد تغيّر الحال ونجحت العديد الدول الأفريقية في التخلص من الإرث الاستعماري، وأسست نظماً ديمقراطية وبدأت في صناعة نهضة معتمدةً على ثرواتها، حيث نمت «نمور» اقتصادية أفريقية على غرار تلك الآسيوية.
ولأن الديمقراطية هي أساس الحكم الرشيد، فقد أدارت الحكومات الأفريقية في الألفية الثانية بيئة الاقتصاد بشكل أفضل تجلى في توفير الاستقرار، ومن ثم الفرص للمستثمرين المحليين والأجانب، مما أدى لإبقاء التضخم والعجز المالي منخفضين، تلا ذلك انخفاض نسبة الدَّين من 130% في عام 1994 إلى 30% عام 2005. ومع المضي قدماً في محاربة الفساد والاهتمام بالتعليم والصحة والتكنولوجيا، باتت القارة الأفريقية، مع تأسيسها «الاتحاد الأفريقي» (الذي خلف في عام 2002 منظمة الوحدة الأفريقية) قوةً لا يستهان بها. وكان من أولويات هذا الاتحاد تسريع وتسهيل الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للقارة، تعزيزاً لمواقف أفريقيا المشتركة بشأن القضايا التي تهم القارة وشعوبها، وتحقيقاً للسلام والأمن ومساندةً للديمقراطية وحقوق الإنسان. أضف إلى ذلك، إنجاز تطور الفكر لدى العديد من المنظمات والمؤسسات الأفريقية (النقابات، الحركات العمالية، والمعاهد التعليمية) مما رسّخ لمرحلة جديدة من الديمقراطية، خاصةً وأن الشباب يشكلون نحو 60% من إجمالي سكان القارة الأفريقية.
وبالمقابل، أمست الدول العربية تحت أنظمة فاسدة، مع تردي اقتصادي غير مسبوق، وانتشار للفساد غير محدود، مع استمرار محاولات القضاء على قوى التغيير والإصلاح بشتى الطرق. وبذلك، أصبحت الدول العربية مسرحاً للصراعات والحروب، فازداد الواقع العربي تراجعاً، في حين تقدمت أفريقيا واصل العرب تراجعهم. وفي الوقت الذي تكابد فيه معظم الدول العربية من أجل تثبيت واقعها، وضع الاتحاد الأفريقي نصب عينيه وعلى سلم أولوياته السلم والأمن في القارة (مواجهة الصراعات والحروب الأفريقية بوصفها تهديداً مباشراً للأمن والتنمية في القارة)، فنراه يعالج النزاعات في مناطق الصراع لإيجاد الحلول لها، ويشدد على القضايا ذات الأهمية لمستقبل القارة. صحيح أنه لا زال هناك العديد من التحديات التي تتعين مواجهتها، لاسيما في مجال السلم والأمن، لكن النتائج التي سجّلتها أفريقيا لحد الآن أكثر من مشجعة على غرار تحسن المؤشرات الرئيسية للتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية (دعم التنمية الاقتصادية في أفريقيا وإعادة الإعمار والتنمية بعد انتهاء الصراع).
ومع انعقاد القمة الأفريقية الـ32، في فبراير الماضي، تحت شعار: «اللاجئون والعائدون والمشردون داخلياً: نحو حلول دائمة للتشرد القسري في أفريقيا»، جاءت الإشارة الأممية على لسان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي أشاد بـ«الدور النموذجي» للاتحاد الأفريقي في حل النزاعات، لافتاً إلى اتفاقية السلام بجنوب السودان، وعودة العلاقات بين إرتيريا وإثيوبيا، وما تم من اتفاق بين فرقاء أفريقيا الوسطى، معتبراً أنها «نماذج أفريقية لحل النزاعات بالقارة». ومن بين الملفات التي تمت مناقشتها في القمة: اللاجئون والنازحون، النزاعات والإرهاب، جواز السفر الأفريقي الموحد، الاندماج الاقتصادي وعملية الإصلاح المؤسسي للاتحاد وتمويله. وأحدث قرارات الاتحاد الأفريقي، كان تعليقه عضوية السودان (وهو أيضاً دولة عضو في جامعة الدول العربية) حتى تتولى إدارة البلاد سلطة مدنية (انتقالية أو منتخبة)، معتبراً أنها «الطريقة الوحيدة للخروج من الأزمة».
واليوم، هناك دول أفريقية تدخل في عداد الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم، مثل إثيوبيا وروندا، الأمر الذي يجعل مستقبل القارة مشرقاً بالأمل والتفاؤل. وفي الوقت الذي يؤدي فيه الركود الاقتصادي العالمي الطويل إلى عجز مالي في العديد من دول العالم ذات الاقتصادات الصناعية المتقدمة، يكشف خبراء الاقتصاد أن الاقتصادات الأفريقية التي تعد صغيرةً نسبياً في أغلبها آخذةٌ في النمو والتوسع على نحو لافت للنظر. وبحسب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فإن دولاً مثل غانا وإثيوبيا ورواندا وموزمبيق، تشهد ازدهاراً اقتصادياً قوياً ومتسارعاً. فروندا على سبيل المثال تجسد قصة دولة تحولت من حالة المجاعة الواسعة والحرب الأهلية الدموية المدمرة إلى سابع أسرع دولةٍ نمواً اقتصادياً على مستوى العالم في عام 2018.
لقد أثبتت أفريقيا الآن أنها أصبحت متقدمةً على العالم العربي بعد أن كانت، وإلى وقت قريب، وراءه بمسافات طويلة على الصعيدين الاقتصادي والديمقراطي، وبالتالي فإن دور الاتحاد الأفريقي في السودان، ومن قبله في أماكن عديدة أخرى، لا يمكن إلا أن ينال الاحترام العالمي الذي يستحقه، فالمسألة أضحت تعبيراً عن الدور المركزي والمحوري الذي باتت تملكه القارة الأفريقية، وقد أصبح لصوتها صدقية لا يمكن لدول العالم تجاهلها، والكل يؤيد الأفارقة في ذلك.. فهل يتعلم منهم العرب؟