على قدم وساق، يجري البحث عن كبش فداء لانهيار محادثات الاندماج بين شركتي «فيات كرايسلر» و«رينو» لصناعة السيارات. وهناك تصريحات مسربة غاضبة من كل الأطراف تقريباً. فالإيطاليون يلومون الفرنسيين، والفرنسيون يلومون «فيات»، بينما تتردد «نيسان» -شريكة «رينو»- في مباركة صفقة الاندماج. وثمة كثير من الناس في الجانبين يلقون باللائمة على «برونو لو مير»، وزير المالية في حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وذلك بعد مطالبته في اللحظة الأخيرة بالحصول على المزيد من الوقت، من أجل التوصل إلى موافقة شركة «نيسان» اليابانية، فيما اعتبره البعضُ القشةَ التي قصمت ظهر البعير، بالنسبة لفيات على وجه الخصوص.
صحيح أنه من المفرط في التبسيط إلقاء كامل التبعة على عاتق لومير وماكرون، وإلا فهل كانت فيات لتعتقد فعلاً أنها تستطيع التوصل إلى صفقة حساسة سياسياً وكبيرة عبر الحدود في 15 يوماً فقط؟ لقد أصبح من الشائع بشكل يثير القلق بين التكنوقراط المسرفين في ثقتهم بأنفسهم، أن يتنصلوا من مشكلات هم من صنعها بقراراتهم. وهناك دروس يتعلمها ماكرون حين يتعلق الأمر بتعامل فرنسا مع شبكة ممتلكات الحكومة، بما في ذلك ملكيتها لنسبة 15% من شركة رينو.
وبدايةً، سيحسن السياسيون الفرنسيون صنعاً إذا جعلوا خطابَهم ملائماً للواقع ومقتضياته. فالوعد بالكفاح في سبيل كل وظيفة صناعية في فرنسا، كما فعل «لومير»، هو رسالة رائعة للناخبين، لكن داخل غرفة اجتماع مجلس الإدارة أو اجتماع مع حملة الأسهم من الصعب دعم مثل هذا الخطاب، في ظل امتلاك 10% أو 15% فقط من الأسهم. وماكرون نفسه سبق أن اعترف، في عام 2016، بحدود قدرة الدولة في منع إدارات الشركات من اتخاذ قرارات معينة، قائلاً: «الحكومة لا تستطيع منع الإغلاق لمجرد أنها تمتلك 20% من حقوق التصويت». لكن ماكرون أصبح أقلّ صراحة بهذا الشأن في الأيام الحالية.
وبخلاف الأخطاء الفرنسية بشأن تحالف رينو-نيسان، وصفقة إير فرانس-كيه. إل. إم.. والآن صفقة فيات، وكلها أمثلة على مبالغة باريس في سلطتها حين تسعى إلى ممارسة السيطرة.. هناك أيضاً ارتباك أعمق بشأن الغرض الفعلي الذي يخدمه استثمار الدولة الفرنسية. فثمة أهداف استراتيجية كثيرة ومتصارعة في شركات كثيرة مدعومة من الحكومة، ولدى فرنسا 1800 من هذه الشركات. ومن هذه الأهداف بناء أبطال قوميين وحماية الوظائف وعرقلة عمليات الاستحواذ الأجنبية. وهذه المرامي لا تفعل شيئاً، أي لا تأثير لها تقريباً، في أداء هذه الشركات. فالعائدات على الأسهم لغالبية ممتلكات الدولة الفرنسية بلغ متوسطها 2.8% بين عامي 2010 و2015 مقابل متوسط يبلغ 10% في مؤشر البورصة الفرنسية 120 (إف. بي. إس. 120) لأكثر الأسهم تداولاً في البلاد، وفقاً لهيئة التدقيق القومية الفرنسية.
كما أن تدخل الدول لم يفعل الكثير لتجنب محنة تراجع التصنيع. فقد تراجع نصيب التصنيع في الاقتصاد الفرنسي من 19% عام 1975 إلى 10% عام 2015. ويتعين إعادة التفكير في مسوغات استخدام أموال دافعي الضرائب. وحصر هذا على الشركات التي تواجه أزمة أو إفلاساً أو الشركات التي تتبنى تكنولوجيا تستحق الدعم. فهناك أيضاً الحاجة إلى بعض الإيمان بقدرة الإدارة على القيام بعملها. صحيح أن جان دومنيك سينار، الرئيس الجديد لشركة رينو، ربما كان متعجلاً للغاية في السعي نحو إبرام الصفقة مع فيات. لكن للدولة دور أيضاً في هذا. ولننظر إلى خطط كارلوس غصن من أجل الدمج بين رينو ونيسان، وهو مشروع ذكرت تقارير أنه كان بتشجيع من باريس وأدى في جانب منه إلى سقوط غصن. وفي الأغلب تظهر العداوة بين الدولة والإدارة، حول التعويض والاستراتيجية والتدخل السياسي.
ولعله من ذلك، يمكن القول إن فكرة الدول كمستثمر ينبغي إخضاعها للتمحيص، ففي عام 2017 قال المصرفي ديفيد ازيما، والذي كان يشرف ذات يوم على محفظة الدولة من الممتلكات، إنه يستحيل أن تكون الحكومة حاملَ أسهم فاعل. وقد أشار حينذاك إلى أن دورة الأعمال مختلفة تماماً عن الدورة الانتخابية وعن تجمهر وسائل الإعلام. وبالإضافة إلى ضغوط السياسة وارتباك الأهداف، فإن حمَلة أسهم الدولة الفرنسية يكونون بصفة عامة كارهين للمخاطرة وعرضة للتسويف.
ويتعين على ماكرون حقاً أن يعود إلى وعده الانتخابي المعقول جداً في عام 2017، وهو بيع المزيد من أسهم الدولة الفرنسية وإعادة الاستثمار في التكنولوجيا التي تقلص انبعاثات الكربون. ورينو قد تكون بداية جيدة نظراً لحجم الممتلكات. وقد يشعر الناخبون بالسعادة أن يروا باريس تقلص نفوذها هنا إذا أرادت أن تنفق المزيد من المال على الاستثمارات في السيارات الكهربائية التي تخلق فرص عمل. وربما قد تمضي قدماً مع نيسان لإبرام صفقة جديدة تستند على قسمة أكثر تساوياً في حملة الأسهم.
*صحفي يغطي شؤون الاتحاد الأوروبي وعمل من قبل في «رويترز» و«فوربس»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»