آن
في ربيع 1919، تبنى الكونجرس الأميركي التعديل التاسع عشر، وتمت المصادقة عليه بعد أكثر من عام في الثامن عشر من أغسطس عام 1920، في الوقت المناسب تماماً من أجل الانتخابات الرئاسية في العام ذاته. ومن ذلك المنطلق، لم تعد حقوق التصويت «تُمنع أو تُجتزأ بناء على الجنس».
وعلى رغم من مرور قرن كامل، يبدو أن هناك أموراً قليلة أقل إثارة للجدل في الوقت الراهن من حق المرأة في التصويت. لكن في ذلك الوقت، كانت الحملة من أجل حق المرأة في التصويت معركة حول كسب الرأي العام، يسعى فيها كلا الطرفين لإيجاد الرسالة الملائمة من أجل كسب السياسيين وأفراد الشعب في صفهم، والوسائل المناسبة لإيصالها. واستفاد كلا الطرفين من ذيوع البطاقات البريدية التي اجتاحت الولايات المتحدة والعالم، حيث كان هناك مئات الملايين من البطاقات البريدية المتداولة آنذاك.
واعتمدت البطاقات البريدية المصوّرة على قوة الصور في الإقناع. ولا يزال كثير من الاستراتيجيات المرئية ذاتها التي استخدمت أثناء النقاش بشأن حق المرأة في التصويت مستمرة حتى يومنا هذا في وصف السياسيات والناشطات المدافعين عن حقوق المرأة. وربما تغير أسلوب التواصل بصورة جذرية مقارنة بالقرن الماضي، لكن لا تزال بقايا أسلوب الحملة المناهضة لحق المرأة في التصويت مستخدمة، وتحقق في كثير من الأحيان نجاحاً أكبر، ضد المدافعين عن المساواة بين الجنسين والسياسات في الوقت الراهن.
ومن أوجه شتى، كانت ثورة الاتصالات في بداية القرن العشرين ظاهرة قوية مقارنة بالثورة الرقمية في الوقت الراهن. ف«حمى» البطاقات البريدية كانت بمثابة نبوءة لألبومات الصورة على «فيسبوك» و«توتير»، والمنشورات المعتمدة على الصور.
وعلى رغم من أن الحملة المناهضة لحقوق المرأة كانت لها اليد الطولى، فإن المدافعين عن المرأة تغلبوا عليها. وكان تعديل القرن التاسع عشر نتاج حركة استمرت 70 عاماً تسعى لتحرير المرأة. وفي عام 1919، كان الوقت في صالحهم، لكن تداول بطاقات بريدية مناهضة محملة بصور مشوّهة ومعادية للمرأة والمطالبين بالمساواة ساعدت على إيجاد لغة مرئية استمرت للفترة طويلة حتى بعد التوصل إلى إجماع على حق المرأة في التصويت.
وبعد مرور قرن كامل، اندلعت نسخة مماثلة من حرب الثقافة المرئية حول أول امرأة تصبح المرشحة الرئاسية لأحد الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة. لكن على رغم من ذلك، كانت النتيجة مختلفة هذه المرة. ومنذ أن كانت السيدة الأولى، تعرضت هيلاري كلينتون لعمليات تنميط مستمرة بصفتها امرأة. ودأب رسامو الكاريكاتير على تصويرها باعتبارها منتحلة لسلطة الرجال وشخصية نسوية متطرفة سياسياً، وبأنها تعتمد على كونها امرأة في حياتها المهنية، وبأنها أصل كل مشكلات إدارة كلينتون، وزوجة كان سيود أي زوج تطليقها!
وأثناء حملة ترشحها للانتخابات الرئاسية في عام 2016، غلب هذا النوع من السخرية على منشورات الحملة المناهضة لكلينتون. واكتسبت بذلك شعبية واسعة النطاق من خلال الاعتماد على عبارات بليغة وجاذبة يمكن تذكرها وتنطوي على كراهية للمرأة.
وعلى النقيض، اعتمد الوجود الرقمي لحملة كلينتون من دون قصد على بعض من الأساليب غير الناجحة التي استخدمتها حملة الدفاع عن حقوق المرأة قبل قرن مضى. ففي كثير من الأحيان، استخدمت الحملة خطة «أحمر أبيض أزرق» في إشارة إلى العلم الأميركي. وعلى صعيد الرسالة التي وجهتها الحملة، فقد كانت ملهمة لمؤيديها، لكن بالنسبة للناخبين غير المؤيدين أو المترددين، فكانت غير ملهمة لا بصرياً ولا بلاغياً.
ولو أن الوقت كان في جانب حملة الدفاع عن حقوق المرأة، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة لحملة كلينتون، التي واجهت صعوبات في التغلب على عقبات متنوّعة ذات تأثير مدمّر وضعها خصومها. وثبت أن العبارات المجازية المناهضة للمرأة، لاسيما حول عدم ملائمتها للعمل السياسي، مترسخة بعمق في الذاكرة الأميركية بدرجة جعلتها تنتشر انتشاراً كبيراً أثناء ذروة الحملة الانتخابية.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»